تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (68)

وقيل في قوله : ( لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) وجوه :

أحدها : ما قال أبو بكر الأصم : تأويله : ( لولا كتاب سبق من الله سبق ) ألا يعذب المخطئين في عملهم على خلاف أمره ، وإلا ( لمسكم ) العذاب ( فيما أخذتم ) [ من الأسارى والفداء منهم ][ من م ، في الأصل وأسلحتهم ] ( عذاب عظيم ) .

والثاني[ في الأصل وم : و ] : قل بعضهم : ( لولا كتاب من الله سبق ) أنهم يتوبون عما عملوا من الأخذ وغيره ، وأنه يتوب عليهم ، وإلا ( لمسكم ) العذاب .

[ والثالث ][ في الأصل وم : و ] التأويل في هذا غير هذا : كان في قوله : ( فاضربو فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ) دلالة إباحة الأمر ورخصته ؛ لأنه قال : ( فاضربوا فوق الأعناق ) وهو[ الواو ساقطة من الأصل وم ] الإبانة من المفصل الذي [ به إبانة ][ في الأصل وم : بيان به ] الرؤوس ؛ وذلك قل ما يمكن في القتال ، ولا يقدر [ على ][ ساقطة من الأصل وم ] إبانة الرؤوس في الحرب . إنما يمكن ذلك بعدما أخذوا ، ودفعوا في أيديهم .

وأ ما ذكر من ضرب البنان فهو في الحرب ؛ لأنه في الحرب إنما يضرب في ما ظفر ، ووجد السبيل إلى ذلك ، ففيه دلالة وتأويل قوله : ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم ) الآية تحتمل أن يكون ملحقا على ما سبق من قوله : ( كا أخرجك الله من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ) ( يجادلونك في الحق )الآية[ الأنفال : 5و6 ] أي ( لولا كتاب من الله سبق ) أي لولا [ ما سبق ][ ساقطة من الأصل وم ] من حكم الله أن يجل لكم الظفر على [ إحدى الطائفتين ، وإلا لمسكم العذاب بمجادلتكم رسول الله ومخالفتكم إياه في الخروج وإرادتكم العبر ، أو أن يقال : لولا [ ما سبق ][ ساقطة من الأصل وم ] من حكم الله ألا يعذب أحدا ، ولا يؤاخذ له في الخطإ في العمل بالاجتهاد ، وإلا لمسكم كذا . أو أن يكون قوله : ( أخذتم ) أي علمتم .

ثم قالت المعتزلة في قوله : ( تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ) دلالة على أن الله لا يريد ما أراد العباد إذا أرادوا المعاصي لأنه أخبر أنهم أرادوا عرض الدنيا ، وهو يريد الآخرة . فهم أرادوا المعصية ، وهو يريد حياة الآخرة وعرضها .

وبعد فإنه قد أراد لهم الآخرة وحياتها ، وهم أرادوا العير وعرض الدنيا . وقد كان ما أراد الله لهم لا ما أرادوا هم ، أي اختار لهم غير ما اختاروا هم .

وأصله أن الله عز وجل أراد الآخرة لأهل البدر ، فكان ما أراد ، وأراد لأولئك الكفرة النار ، فكان ما أراد كقوله : ( يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة )[ آل عمران : 176 ] والأشبه أن تكون الإرادة ههنا المودة والمحبة ؛ أي تودون ، وتحبون عرض الدنيا ، والله يريد الآخرة ، وهو ما ذكر في آية أخرى حيث قال : ( وإن يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم )[ الأنفال : 7 ] كانوا يودون أن القتال مع غير ذات الشوكة حتى تكون لهم الغنائم .

والإرادة التي تضاف إلى الله تخرج على وجوه ثلاثة :

أحدها : الرضا كقوله : ( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا )[ الأنعام : 148 ] كانوا يستبدلون بتركه إياهم ، وهم على [ ظن ][ ساقطة من الأصل وم ] أن الله قد رضي بصنيعهم .

والثاني : الإرادة الأمر كقوله : ( وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها )[ الأعراف : 28 ] .

والثالث : الإرادة في صفة فعل كل قائل يخرج فعله على غير سهو وغفلة ولا طبع بل يخرج على الاختيار .

وقال بعض أهل التأويل : «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار في الأسارى يوم بدر أصحابه . فقال لأبي بكر : «ما تقولون فيه ، فقال : يا رسول الله قومك وأهلك ، فاستبقهم . واستبقاؤهم لعل الله يتوب عليهم . وقال عمر : يا رسول الله كذبوك وأخرجوك قدمهم فاضرب أعناقهم ، وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله : انظر واديا كثير الحطب ، فأدخلهم فيه ، وأضرمه عليهم نارا . فقال له العباس : قطعت رحمك ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم شيئا ، ثم قام ، فدخل ، فقال ناس : يقول بقول أبي بكر ، وقال ناس : يقول بقول عمر ، وقال [ ناس ][ من م ، ساقطة من الأصل ] : يقول بقول عبد الله . ثم خرج عليهم رسول الله فقال إن لله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن ، وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد /205-أن الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك )[ المائدة : 118 ] وإن مثلك يا عمر كمثل موسى حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم )[ يونس : 88 ] وقال : يا عمر إن مثلك كمثل نوح حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا )[ نوج : 26 ] ولا [ ينفكن أحد منهم ][ في الأصل وم : يسئلن أحد منكم ] إلا بفداء أو ضربة عنق . قال عبد الله : إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام . فسكت رسول الله ، فما رأتيني في يوم أخوف مني أن تقع علي حجارة في ذلك اليوم حتى قال رسول الله : إلا سهيل بن بيضاء ، فأنزل الله ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) قبلكم ، وأما أنتم فقد أحلت لكم الأسارى والغنيمة »[ أحمد 1/383و384 ] .

ويدل أيضا ما روي من الأخبار والآيات على أنه إذا أثخن في الأرض جاز له الأسر لأنه لو لم يجز له ذلك كما يجوز قبل الإثخان في الأرض لزالت[ في الأصل وم : زالت ] فائدة الخصوص ، وقد بين الله ذلك بقوله : ( حتى إذا أتخنتموهم فشدوا )[ محمد : 4 ] .

ثم اختلف أهل العلم في فداء الأسارى بالمال . قال ابن عباس رضي الله عنه ، قال : ذلك يوم بدر ، والمسلمون قليل ، فلما كثروا ، واشتد سلطانهم ، أنزل الله تعالى : في الأسارى : ( فإما منا بعد وإما فداء )[ محمد : 4 ] فجعل النبي والمؤمنين بالخيار ؛ إن شاؤوا فدوهم .

وعن الحسن [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : يصنع به ما صنع رسول الله بأسارى [ بدر ][ ساقطة من الأصل وم ] : يمن عليه أو يفادي . وقال غيرهما بخلاف ذلك .

وقال أصحابنا : إن احتاج الإمام إلى مال فاداهم . وقد دل ما ذكرنا من الآيات والأخبار على جواز الفداء بعد الإثخان فيهم . فإن لم يكن إلى المال محتاجا فله قتلهم ؛ لأن ذلك الكافي العدو ، وأشد [ رهبة لهم ][ في الأصل وم : رهبتهم ] من المؤمنين .

وقال[ الضمير يعود على الحسن ] : فله أن يسترقهم ، فهو كما قالوا : إذا كان الأسير من أهل الكتاب أو من العجم . فأماعرب عبدة الأوثان فلا يسترقون لأنا لا تعلم أحدا منهم استرقه النبي لما أسره ، ولم يبلغنا أن أبا بكر استرق واحدا من أهل الردة ، وكيف يجوز استرقاقهم ، وقد قال الله تعالى : ( تقاتلونهم أو يسلمون ) ؟ [ الفتح : 16 ] .

وأما الفداء والقتل فقد ظهر من فعل رسول الله في أسارى بدر ؛ وفي ما روي من الاستشارة النبي أصحابه في الأسارى دلالة العمل بالاجتهاد ، وما روي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال لأبي بكر وعمر : «يا أبا بكر ويا عمر إن ربي يوحي [ إلي ][ من م ، ساقطة من الأصل ] أن أشاوركما ، ولولا أنكما تختلفان ما عصيتكما ، أو عملت بخلاف رأيكما » .

فيه أنه لا يجوز لأحد أن يخالفهما ، ورسوله الله يقول : «ولولا أنكما تختلفان ما عصيتكما ، أو عملت بخلاف رأيكما » ثم ما أخذ من الأسارى من الفداء لا يدرى على أي وجه أخذ ؛ على الترك والرد إلى أوطانهم من غير أن تركهم بالجزية ؛ إذ من قولهم : ألا يجوز أخذ الجزية منهم والترك على ذلك ، وفي الآية دلالة ذلك ، وهو قوله : ( تقاتلونهم أو يسلمون ) وفي الخبر : لا يجتمع دينان في جزيرة العرب إلا أن يقال : إن المفاد إلا الذي[ في الأصل وم : التي ] ذكر . كان هذا ، وهذا كان يعمله ، والله أعلم .