وقيل في قوله : ( لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) وجوه :
أحدها : ما قال أبو بكر الأصم : تأويله : ( لولا كتاب سبق من الله سبق ) ألا يعذب المخطئين في عملهم على خلاف أمره ، وإلا ( لمسكم ) العذاب ( فيما أخذتم ) [ من الأسارى والفداء منهم ][ من م ، في الأصل وأسلحتهم ] ( عذاب عظيم ) .
والثاني[ في الأصل وم : و ] : قل بعضهم : ( لولا كتاب من الله سبق ) أنهم يتوبون عما عملوا من الأخذ وغيره ، وأنه يتوب عليهم ، وإلا ( لمسكم ) العذاب .
[ والثالث ][ في الأصل وم : و ] التأويل في هذا غير هذا : كان في قوله : ( فاضربو فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ) دلالة إباحة الأمر ورخصته ؛ لأنه قال : ( فاضربوا فوق الأعناق ) وهو[ الواو ساقطة من الأصل وم ] الإبانة من المفصل الذي [ به إبانة ][ في الأصل وم : بيان به ] الرؤوس ؛ وذلك قل ما يمكن في القتال ، ولا يقدر [ على ][ ساقطة من الأصل وم ] إبانة الرؤوس في الحرب . إنما يمكن ذلك بعدما أخذوا ، ودفعوا في أيديهم .
وأ ما ذكر من ضرب البنان فهو في الحرب ؛ لأنه في الحرب إنما يضرب في ما ظفر ، ووجد السبيل إلى ذلك ، ففيه دلالة وتأويل قوله : ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم ) الآية تحتمل أن يكون ملحقا على ما سبق من قوله : ( كا أخرجك الله من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ) ( يجادلونك في الحق )الآية[ الأنفال : 5و6 ] أي ( لولا كتاب من الله سبق ) أي لولا [ ما سبق ][ ساقطة من الأصل وم ] من حكم الله أن يجل لكم الظفر على [ إحدى الطائفتين ، وإلا لمسكم العذاب بمجادلتكم رسول الله ومخالفتكم إياه في الخروج وإرادتكم العبر ، أو أن يقال : لولا [ ما سبق ][ ساقطة من الأصل وم ] من حكم الله ألا يعذب أحدا ، ولا يؤاخذ له في الخطإ في العمل بالاجتهاد ، وإلا لمسكم كذا . أو أن يكون قوله : ( أخذتم ) أي علمتم .
ثم قالت المعتزلة في قوله : ( تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ) دلالة على أن الله لا يريد ما أراد العباد إذا أرادوا المعاصي لأنه أخبر أنهم أرادوا عرض الدنيا ، وهو يريد الآخرة . فهم أرادوا المعصية ، وهو يريد حياة الآخرة وعرضها .
وبعد فإنه قد أراد لهم الآخرة وحياتها ، وهم أرادوا العير وعرض الدنيا . وقد كان ما أراد الله لهم لا ما أرادوا هم ، أي اختار لهم غير ما اختاروا هم .
وأصله أن الله عز وجل أراد الآخرة لأهل البدر ، فكان ما أراد ، وأراد لأولئك الكفرة النار ، فكان ما أراد كقوله : ( يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة )[ آل عمران : 176 ] والأشبه أن تكون الإرادة ههنا المودة والمحبة ؛ أي تودون ، وتحبون عرض الدنيا ، والله يريد الآخرة ، وهو ما ذكر في آية أخرى حيث قال : ( وإن يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم )[ الأنفال : 7 ] كانوا يودون أن القتال مع غير ذات الشوكة حتى تكون لهم الغنائم .
والإرادة التي تضاف إلى الله تخرج على وجوه ثلاثة :
أحدها : الرضا كقوله : ( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا )[ الأنعام : 148 ] كانوا يستبدلون بتركه إياهم ، وهم على [ ظن ][ ساقطة من الأصل وم ] أن الله قد رضي بصنيعهم .
والثاني : الإرادة الأمر كقوله : ( وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها )[ الأعراف : 28 ] .
والثالث : الإرادة في صفة فعل كل قائل يخرج فعله على غير سهو وغفلة ولا طبع بل يخرج على الاختيار .
وقال بعض أهل التأويل : «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار في الأسارى يوم بدر أصحابه . فقال لأبي بكر : «ما تقولون فيه ، فقال : يا رسول الله قومك وأهلك ، فاستبقهم . واستبقاؤهم لعل الله يتوب عليهم . وقال عمر : يا رسول الله كذبوك وأخرجوك قدمهم فاضرب أعناقهم ، وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله : انظر واديا كثير الحطب ، فأدخلهم فيه ، وأضرمه عليهم نارا . فقال له العباس : قطعت رحمك ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم شيئا ، ثم قام ، فدخل ، فقال ناس : يقول بقول أبي بكر ، وقال ناس : يقول بقول عمر ، وقال [ ناس ][ من م ، ساقطة من الأصل ] : يقول بقول عبد الله . ثم خرج عليهم رسول الله فقال إن لله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن ، وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد /205-أن الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( إن تعذبهم فإنهم عبادك )[ المائدة : 118 ] وإن مثلك يا عمر كمثل موسى حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم )[ يونس : 88 ] وقال : يا عمر إن مثلك كمثل نوح حين[ في الأصل وم : حيث ] قال : ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا )[ نوج : 26 ] ولا [ ينفكن أحد منهم ][ في الأصل وم : يسئلن أحد منكم ] إلا بفداء أو ضربة عنق . قال عبد الله : إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام . فسكت رسول الله ، فما رأتيني في يوم أخوف مني أن تقع علي حجارة في ذلك اليوم حتى قال رسول الله : إلا سهيل بن بيضاء ، فأنزل الله ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) قبلكم ، وأما أنتم فقد أحلت لكم الأسارى والغنيمة »[ أحمد 1/383و384 ] .
ويدل أيضا ما روي من الأخبار والآيات على أنه إذا أثخن في الأرض جاز له الأسر لأنه لو لم يجز له ذلك كما يجوز قبل الإثخان في الأرض لزالت[ في الأصل وم : زالت ] فائدة الخصوص ، وقد بين الله ذلك بقوله : ( حتى إذا أتخنتموهم فشدوا )[ محمد : 4 ] .
ثم اختلف أهل العلم في فداء الأسارى بالمال . قال ابن عباس رضي الله عنه ، قال : ذلك يوم بدر ، والمسلمون قليل ، فلما كثروا ، واشتد سلطانهم ، أنزل الله تعالى : في الأسارى : ( فإما منا بعد وإما فداء )[ محمد : 4 ] فجعل النبي والمؤمنين بالخيار ؛ إن شاؤوا فدوهم .
وعن الحسن [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : يصنع به ما صنع رسول الله بأسارى [ بدر ][ ساقطة من الأصل وم ] : يمن عليه أو يفادي . وقال غيرهما بخلاف ذلك .
وقال أصحابنا : إن احتاج الإمام إلى مال فاداهم . وقد دل ما ذكرنا من الآيات والأخبار على جواز الفداء بعد الإثخان فيهم . فإن لم يكن إلى المال محتاجا فله قتلهم ؛ لأن ذلك الكافي العدو ، وأشد [ رهبة لهم ][ في الأصل وم : رهبتهم ] من المؤمنين .
وقال[ الضمير يعود على الحسن ] : فله أن يسترقهم ، فهو كما قالوا : إذا كان الأسير من أهل الكتاب أو من العجم . فأماعرب عبدة الأوثان فلا يسترقون لأنا لا تعلم أحدا منهم استرقه النبي لما أسره ، ولم يبلغنا أن أبا بكر استرق واحدا من أهل الردة ، وكيف يجوز استرقاقهم ، وقد قال الله تعالى : ( تقاتلونهم أو يسلمون ) ؟ [ الفتح : 16 ] .
وأما الفداء والقتل فقد ظهر من فعل رسول الله في أسارى بدر ؛ وفي ما روي من الاستشارة النبي أصحابه في الأسارى دلالة العمل بالاجتهاد ، وما روي في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال لأبي بكر وعمر : «يا أبا بكر ويا عمر إن ربي يوحي [ إلي ][ من م ، ساقطة من الأصل ] أن أشاوركما ، ولولا أنكما تختلفان ما عصيتكما ، أو عملت بخلاف رأيكما » .
فيه أنه لا يجوز لأحد أن يخالفهما ، ورسوله الله يقول : «ولولا أنكما تختلفان ما عصيتكما ، أو عملت بخلاف رأيكما » ثم ما أخذ من الأسارى من الفداء لا يدرى على أي وجه أخذ ؛ على الترك والرد إلى أوطانهم من غير أن تركهم بالجزية ؛ إذ من قولهم : ألا يجوز أخذ الجزية منهم والترك على ذلك ، وفي الآية دلالة ذلك ، وهو قوله : ( تقاتلونهم أو يسلمون ) وفي الخبر : لا يجتمع دينان في جزيرة العرب إلا أن يقال : إن المفاد إلا الذي[ في الأصل وم : التي ] ذكر . كان هذا ، وهذا كان يعمله ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.