68 { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم }
{ لولا كتاب من الله سبق لمسكم } أي لأصابكم { فيما أخذتم } أي بسببه ، وهو الفداء { عذاب عظيم } أي شديد ، بقدر إبطالكم الحكمة العظيمة ، وهي قتلهم ، الذي هو أعز للإسلام ، وأهيب لمن وراءهم ، وأفل لشوكتهم والمراد ب ( الكتاب ) الحكم ، وإنما أطلق عليه لأنه مكتوب في اللوح . ولأئمة التفسير أقوال في تفسيره . فقيل : هو أنه لا يعذب قوما إلا بعد تقديم النهي ، ولم يتقدم نهي عن ذلك . وقيل : هو أنه لا يعذب المخطئ في اجتهاده . وقيل : هو كون أهل بدر مغفورا لهم . وقيل : هو حل المغانم .
وللرازي مناقشة في هذه الأقوال . واختار أن ( الكتاب ) هو حكمه في الأزل بالعفو عن هذه الواقعة ، لأنه كتب على نفسه الرحمة ، وسبقت رحمته غضبه .
/ أقول : لعل الأمسّ في تهويل ما اكتسبوه ، تفسير ( الكتاب ) بما في قوله تعالى {[4424]} : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } والله أعلم .
الأول- قال الرازي : قال ابن عباس : " هذا الحكم إنما كان يوم بدر ، لأن المسلمين كانوا قليلين . فلما كثروا وقوي سلطانهم ، أنزل الله بعد ذلك في الأسارى{[4425]} { حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها } .
وأقول : هذا الكلام يوهم أن قوله : { فإما منا بعد وإما فداء } يريد حكم الآية التي نحن في تفسيرها . وليس الأمر كذلك ، لأن الآيتين متوافقتان ، فإن كلتيهما تدل على أنه لا بد من تقديم الإثخان ، ثم بعده أخذ الفداء . انتهى .
وقال بعضهم : لا تظهر دعوى النسخ من أصلها ، إذ النهي الضمني ، كما هنا ، مقيد ومُغَيًّا بالإثخان . أي كثرة القتال اللازمة لها قوة الإسلام وعزته . وما في سورة القتال من التخيير ، محله بعد ظهور شوكة الإسلام بكثرة القتال ، فلا تعارض بين الآيتين ، إذ ما هناك بيان للغاية التي هنا . نقله في ( الفتح ) .
الثاني – قال القاضي : في الآية دليل على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجتهدون ، وأنه قد يكون خطأ ولكن لا يقرون عليه .
الثالث – قال ابن كثير : وقد استمر الحكم في الأسرى عند جمهور العلماء أن الإمام مخير فيهم ، إن شاء قتل ، كما فعل ببني قريظة ، وإن شاء فادى بمال ، كما فعل بأسرى بدر ، وبمن أسر من المسلمين ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في تلك الجارية ، وابنتها اللتين كانتا في سبي سلمة بن الأكوع ، حيث ردهما وأخذ في مقابلتهما من المسلمين الذين كانوا عند المشركين . / وإن شاء استرقّ من أسر . هذا مذهب الإمام الشافعي وطائفة . وفي المسألة خلاف آخر بين الأئمة مقرر في موضعه .
الرابع – قال بعض مفسري الزيدية : في هذه الآية سؤال وهو أن يقال : إن كان فعلهم اجتهادا وخطأ فلم عوتبوا ؟ ويلزم أن لا معصية . وإن تمكنوا من العلم وقصروا ، فكيف أقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ وجواب ذلك من وجهين :
الأول – عن أبي علي ؛ أن ذلك كان معصية صغيرة . قال الحاكم : وكانوا متمكنين من العلم ، إذا ما عاتبهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.