مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (68)

{ لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله } لولا حكم من الله { سَبَقَ } أن لا يعذب أحداً على العمل بالاجتهاد وكان هذا اجتهاداً منهم لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سبباً في إسلامهم ، وأن فداءهم يتقوى به على الجهاد ، وخفي عليهم إن قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم ، أو ما كتب الله في اللوح أن لا يعذب أهل بدر ، أو ألا يؤاخذ قبل البيان والإعذار . وفيما ذكر من الاستشارة دلالة على جواز الاجتهاد فيكون حجة على منكري القياس . { كِتَابٌ } مبتدأ و { مِنَ الله } صفته أي لولا كتاب ثابت من الله و { سَبَقَ } صفة أخرى له ، وخبر المبتدأ محذوف أي لولا كتاب بهذه الصفة في الوجود ، و { سَبَقَ } لا يجوز أن يكون خبراً لأن «لولا » أبداً { لَمَسَّكُمْ } لنالكم وأصابكم { فِيمَا أَخَذْتُمْ } من فداء الأسرى { عَذَابٌ عظِيمٌ } روي أن عمر رضي الله عنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال : يا رسول الله أخبرني فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت .

فقال : « أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة » لشجرة قريبة منه . وروي أنه عليه السلام قال : « لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ » لقوله كان الإثخان في القتل أحب إليّ .