الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (68)

قوله : { لولا كتاب [ من ]{[27833]} الله سبق لمستكم فيما أخذتم عذاب عظيم }[ 68 ] .

هذا خطاب لأهل بدر في أخذهم الغنائم والفداء{[27834]} .

وروي أن هذه الآية لما نزلت قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو نزل عذاب ما سلم منه إلا عمر ، ولو بعث بعدي نبي لبعث عمر " {[27835]} ، رضي الله عنه .

وذلك أن عمر رضي الله عنه أشار على النبي صلى الله عليه وسلم ، بقتل الأسارى ، وألا تؤخذ منهم الفدية ، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : كذبوك وأخرجوك فاضرب أعناقهم . وخالفه أبو بكر رضي الله عنه ، وغيره في ذلك{[27836]} .

والمعنى : لولا أن الله قد سبق قضاؤه في اللوح المحفوظ{[27837]} ، أنه يحل لكم ذلك ، لعوقبتم بما{[27838]} فعلتم ؛ لأنه تعالى لم يكن يحل ذلك لأحد{[27839]} من الأمم{[27840]} قبل{[27841]} أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكنهم أخذوا الغنائم وقبلوا{[27842]} الفداء ، قبل أن ينزل عليهم ما قد سبق منه ، تعالى ، أن يحله لهم ، وكانت الأمم قبل محمد عليه السلام ، إذا غنموا شيئا جعلوه للقربان{[27843]} فتأكله النار ، فهو حرام عليهم ، لا يحل لأحد منهم شيء منه{[27844]} .

وقيل المعنى : لولا أن سبق في علمي أني سأحل لكم الغنائم ، لمسكم في أخذكم إياها عذاب عظيم{[27845]} .

وقيل المعنى : لولا كتاب من الله سبق لأهل بدر ، أن لا يعذبهم لمسهم في أخذهم الغنائم عذاب عظيم ، قال ذلك : الحسن ، وقتادة ، وابن جبير{[27846]} .

وقال ابن زيد : سبق في علمه العفو عنهم ، والمغفرة لهم ، يعني : أهل بدر ، ولولا ذلك ، لمسهم إذ أخذوا الغنائم التي لم تحل لأحد قبلهم عذاب عظيم{[27847]} .

وقال مجاهد : لولا أنه سبق في علمه أن لا يعذب أحد بفعل أتاه جهلا ، لمسكم فيما جهلتم فيه ، من أخذكم الغنائم عذاب عظيم{[27848]} .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نُصرت بالرعب ، وجُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأُعطيت جوامع الكلم{[27849]} ، وأُحلت لي الغنائم ، ولم تحل لنبي كان قبلي ، وأُعطيت الشفاعة{[27850]} ، خمس لم يؤتهن نبي كان قبلي " {[27851]} .

وقيل المعنى : لولا أنه سبق مني أن لا أعذب أحدا إلا بعد النهي ، لعذبتكم بأخذكم للغنائم{[27852]} .

واختار النحاس ، وغيره ، أن يكون المعنى : لولا أنه سبق من الله تعالى ، أن يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر ، لعذبكم بأخذكم الغنائم{[27853]} .

وقيل المعنى : /{ لولا كتاب من الله سبق } ، فآمنتم به ، وهو القرآن فاستوجبتم بإيمانكم الصفح{[27854]} والعفو ، لعذبتم على أخذكم الغنائم{[27855]} .

قال ابن زيد : لم يكن أحد ممن حضر بدرا{[27856]} إلا أحب أخذ الغنائم إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فإنه جعل لا يلقى أسيرا إلا ضرب عنقه ، وقال : يا رسول الله ، ما لنا وللغنائم ، نحن قوم نجاهد في سبيل الله حتى يعبد الله{[27857]} .


[27833]:زيادة من "ر".
[27834]:انظر: الآثار المبينة ذلك في جامع البيان 14/65، وما بعدها.
[27835]:انظر: جامع البيان 14/71، وفي سنن الترمذي عن عقبة بن عامر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب".
[27836]:مضى قريبا، والمصادر هناك.
[27837]:قال في مشكل إعراب القرآن 1/320: "...{كتاب} رفع بالابتداء، والخبر محذوف تقديره: لولا كتاب من الله تدارككم، وهو: ما تقدم إلى اللوح المحفوظ من إباحة الغنائم لهذه الأمة".
[27838]:في الأصل، كأنه: عما.
[27839]:في "ر": لأحد ذلك.
[27840]:في الأصل: الإمام وهو تحريف.
[27841]:قبل تصحفت في الأصل إلى: قيل، بياء مثناة.
[27842]:في الأصل: الإمام وهو تحريف.
[27843]:القربان، بضم القاف: ما تقرب به إلى الله تعالى.
[27844]:انظر: جامع البيان 14/64، 65، ففيه تفصيل ا أوجزه مكي هاهنا.
[27845]:وهو قول أبي هريرة، كما جاء في جامع البيان 14/66، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1734، والدر المنثور 4/108.
[27846]:انظر: جامع البيان 14/68، 69، وتفسير البغوي 3/377، وزاد المسير 3/382: الحسن، ومجاهد وسعيد بن جبير. وأورده في مشكل القرآن 1/320، من غير عزو.
[27847]:جامع البيان 14/69، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1735، باختصار.
[27848]:جامع البيان 14/69، 70، وزاد المسير 3/382، وزاد نسبته إلى ابن عباس، وتفسير ابن كثير 2/326، وعزاه أيضا إلى محمد بن إسحاق. قال ابن عطية في المحرر الوجيز 2/454: "وهذا قول ضعيف تعارضه مواضع من الشريعة".
[27849]:في "ر": الكليم، وهو تحريف.
[27850]:في الأصل: الشافعة، وهو تحريف.
[27851]:سيرة ابن هشام 1/676، وجامع البيان 14/70. وأخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: نصرت بالرعب، رقم 323، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، رقم 810، بزيادة في بعض ألفاظه.
[27852]:وهو قول محمد بن إسحاق، كما في سيرة ابن هشام 1/676، وأورده في مشكل إعراب القرآن 1/320، بلفظ: "وقيل هو ما سبق أن الله لا يعذب إلا بعد إنذار".
[27853]:إعراب القرآن 2/197، بتصرف يسير، وأورده في مشكل إعراب القرآن 1/320.
[27854]:في "ر": الصلح، باللام، وهو تحريف.
[27855]:إعراب القرآن للنحاس 2/197، بتصرف يسير. وبشأن الأقوال الواردة في: الكتاب الذي سبق، انظر: تفسير الماوردي 2/322، والمحرر الوجيز 2/553، وزاد المسير 3/381، وتفسير القرطبي 8/33، والبحر المحيط 4/515، وتفسير ابن كثير 2/326، وفتح القدير 2/372. وقال الطبري في جامع البيان 14/71: "....وكل هذه المعاني التي ذكرتها عمن ذكرت، مما قد سبق في كتاب الله أنه لا يؤاخذ بشيء منها هذه الأمة، وذلك: ما عملوا من عمل بجهالة، وإحلال الغنيمة، والمغفرة لأهل بدر، وكل ذلك مما كتب لهم. وإذا كان ذلك كذلك، فلا وجه لأن يخص من ذلك معنى دون معنى، وقد عم الله الخبر بكل ذلك، بغير دلالة توجب صحة القول بخصوصه".
[27856]:في الأصل: بدر، وهو خطأ ناسخ.
[27857]:جامع البيان 14/71، وتفسير ابن أبي حاتم 5/1735، باختصار.