الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (68)

وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال " اختلف الناس في أسارى بدر ، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : فادهم . وقال عمر رضي الله عنه : اقتلهم . قال قائل : أرادوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهدم الإسلام ويأمره أبو بكر بالفداء . . . ! وقال قائل : لو كان فيهم أبو عمر أو أخوه ما أمره بقتلهم . . . ! فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أبي بكر ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { ولولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كاد ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم ، ولو نزل العذاب ما أفلت إلا عمر " .

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والترمذي وصححه والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما كان يوم بدر تعجل الناس إلى الغنائم فأصابوها قبل أن تحل لهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الغنيمة لا تحل لأحد سود الرؤوس قبلكم ، كان النبي وأصحابه إذا غنموا جمعوها ونزلت نار من السماء فأهلكتها ، فأنزل الله هذه الآية { لولا كتاب من الله سبق . . . } إلى آخر الآيتين " .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله { لولا كتاب من الله سبق } قال : يقول لولا أنه سبق في علمي أني سأحل المغانم { لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } قال : وكان العباس بن عبد المطلب يقول : أعطاني الله هذه الآية ( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسارى ) ( الأنفال الآية 70 ) وأعطاني بما أخذ مني أربعين أوقية أربعين عبدا .

وأخرج إسحق بن راهويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } يعني غنائم بدر قبل أن يحلها لهم يقول : لولا أني أعذب من عصاني حتى أتقدم إليه لمسكم عذاب عظيم .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { ما كان لنبي أن تكون له أسرى } قال : ذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل ، فلما كثروا واشتد سلطانهم ، أنزل الله تعالى بعد هذا في الأسارى ( فإما منا وإما فداء ) ( محمد الآية 4 ) فجعل الله النبي والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار إن شاءوا قتلوهم ، وإن شاءوا استعبدوهم ، وإن شاءوا فادوهم ، وفي قوله { لولا كتاب من الله سبق } يعني في الكتاب الأول أن المغانم والأسارى حلال لكم { لمسكم فيما أخذتم } من الأسارى { عذاب عظيم ، فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } قال : وكان الله تعالى قد كتب في أم الكتاب المغانم والأسارى حلالا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته ولم يكن أحله لأمة قبلهم ، وأخذوا المغانم وأسروا الأسارى قبل أن ينزل إليهم في ذلك .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { حتى يثخن في الأرض } يقول : حتى يظهروا على الأرض .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال : الإثخان هو القتل .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { ما كان لنبي أن تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } قال : نزلت الرخصة بعد ، إن شئت فمن وإن شئت ففاد .

وأخرج ابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله { تريدون عرض الدنيا } قال : أراد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر الفداء ، ففادوهم بأربعة آلاف أربعة آلاف .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله { تريدون عرض الدنيا } يعني الخراج .

وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن زيد رضي الله عنه قال : ليس أحد يعمل عملا يريد به وجه الله يأخذ عليه شيئا من عرض الدنيا إلا كان حظه منه .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال : لو لم يكن لنا ذنوب نخاف على أنفسنا منها إلا حبنا للدنيا لخشينا على أنفسنا ، إن الله يقول { تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة } أريدوا ما أراد الله .

وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { لولا كتاب من الله سبق } قال : سبق لهم المغفرة .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { لولا كتاب من الله سبق } قال : سبق لأهل بدر من السعادة { لمسكم فيما أخذتم } قال : من الفداء { عذاب عظيم } .

وأخرج النسائي وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما { لولا كتاب من الله سبق } قال : سبقت لهم من الله الرحمة قبل أن يعملوا بالمعصية .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن خيثمة رضي الله عنه قال : كان سعد رضي الله عنه جالسا ذات يوم وعنده نفر من أصحابه إذ ذكر رجلا فنالوا منه ، فقال : مهلا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنا أذنبنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذنبا ، فأنزل الله { لولا كتاب من الله سبق } قال : فكنا نرى أنها رحمة من الله سبقت لنا .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله { لولا كتاب من الله سبق } قال : في أنه لا يعذب أحدا حتى يبين له ويتقدم إليه .