محبوسات على أزواجهن . وهُنَّ لِمَنْ هو مقصورٌ الجوارح عن الزَّلاَّت ، مقصورُ القلب عن الغفلات ، مقصور السِّرِّ عن مساكنة الأشكال والأعلال والأشباه والأمثال .
وفي بعض التفاسير : أن الخيمة من دُرَّةٍ مجوفة فرسخ في فرسخ لها ألف باب .
ويقال : قصرت أنفسهن وقلوبهن وأبصارهن على أزواجهن . وفي الخبر : " أنهن يقلن : نحن الناعمات . فلا نبؤس ، الخالدات فلا نبيد ، الراضيات فلا نسخط " .
وفي خبر عن عائشة رضي الله عنها : " أن المؤمنات أجبنهن : نحن المصليات وما صليتن ، ونحن الصائمات وما صمتن ، ونحن المتصدِّقاتُ وما تَصَدَّقْتُنَّ " قالت عائشة يغلبهن قولُه :
حور : واحدتهن حوراء ، أي بيضاء ، قال ابن الأثير : الحوراء هي الشديدة بياض العين ، والشديدة سوادها .
خيّرات : بالتشديد ، فخففت كما جاء في الحديث : هيْنون ، ليْنون " .
مقصورات في الخيام : مخدّرات ، يقال : امرأة قصيرة ومقصورة ، أي : مخدرة ملازمة بيتها ، لا تطوف في الطرق .
وتكسل عن جاراتها فيزرنها *** وتعتلّ عن إتيانهنّ فتُعْذر
الخيام : واحدها خيمة ، وهي أربعة أعواد تنصب بشيء من نبات الأرض ، وما يتخذ من شعر أو وبر فهو خباء ، وخيام الجنة شبيهة بالخدور ، مصنوعة من الدرّ .
حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ .
الحَوَر شدة بياض العين مع شدة سوادها ، أي في هذه الجنات نساء جميلات ، قصرن أنفسهن على أزواجهن ، ملازمات لبيوتهن لا يطفن بالطرق .
روى البخاري ، عن عبد الله بن قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة ، عرضها ستون ميلا ، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين ، يطوف عليهم المؤمنون " xii .
ورواه مسلم بلفظ : " إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة ، طولها ستون ميلا ، للمؤمن فيها أهل ، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا " xiii .
وقوله تعالى : { حُورٌ } بدل من { خيرات } [ الرحمن : 70 ] وهو جمع حوراء وكذا جمع أحور ، والمراد بيض كما أخرجه ابن المنذر . وغيره عن ابن عباس وروته أم سلمة أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن الأثير : الحوراء هي الشديدة بياض العين الشديدة سوادها ، وفي «القاموس » الحور بالتحريك أن يشتد بياض العين وسواد سوادها وتستدير حدقتها وترق جفونها ويبيض ما حواليها . أو شدة بياضها وسوادها في بياض الجسد ، أو اسوداد العين كلها مثل الظباء ولا يكون في بني آدم بل يستعار لها ، وإذا صح حديث أم سلمة لم يعدل في القرآن عن تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم .
{ مقصورات فِى الخيام } أي مخدرات يقال : امرأة قصيرة ومقصورة أي مخدرة ملازمة لبيتها لا تطوف في الطرق ، قال كثير عزة :
وأنت التي حبّبت كل قصيرة *** إليّ ولم تشعر بذاك القصائر
عنيت ( قصيرات الحجال ) ولم أرد *** قصار الخطا شر النساء البحاتر
والنساء يمدحن بملازمتهن البيوت لدلالتها على صيانتهن كما قال قيس بن الأسلت :
وتكسل عن جاراتها فيزرنها *** وتغفل عن أبياتهن «فتعذر »
وهذا التفسير مأثور عن ابن عباس . والحسن . والضحاك وهو رواية عن مجاهد ، وأخرج ابن أبي شيبة . وهناد بن السري . وابن جرير عنه أنه قال : { مقصورات } قلوبهن وأبصارهن ونفوسهن على أزواجهن ، والأول أظهر ، و { فِى الخيام } عليه متعلق بمقصورات ، وعلى الثاني يحتمل ذلك ، ويحتمل كونه صفة ثانية لحور فلا تغفل ، والخيام جمع خيمة وهي على ما في «البحر » بيت من خشب وثمام وسائر الحشيش ، وإذا كان من شعر فهو بيت ولا يقال له خيمة . وقال غير واحد : هي كل بيت مستدير أو ثلاثة أعواد أو أربعة يلقى عليها الثمام ويستظل بها في الحر أو كل بيت يبنى من عيدان الشجر وتجمع أيضاً على خيمات وخيم بفتح فسكون وخيم بالفتح وكعنب والخيام هنا بيوت من لؤلؤ أخرج ابن أبي شيبة وجماعة عن ابن عباس أنه قال : الخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة أربعة فراسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب ، وأخرج جماعة عن أبي الدرداء أنه قال : الخيمة لؤلؤة واحدة لها سبعون باباً من در ، وأخرج البخاري . ومسلم . والترمذي . وغيرهم عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون يطوف عليهم المؤمن ، إلى ذلك من الأخبار ، وقوله سبحانه : { فِيهِنَّ } [ الرحمن : 70 ] الخ دون ما تقدم في الجنتين السابقتين أعني قوله عز وجل : { فِيهِنَّ قاصرات الطرف } [ الرحمن : 56 ] إلى قوله تعالى : { كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان } [ الرحمن : 58 ] في المدح عند من فضلهما على الأخيرتين قيل لما في { مقصورات } على التفسير الثاني من الإشعار بالقسر في القصر ، وأما على تفسيره الأول فكونه دونه ظاهر وإن لم يلاحظ كونها مخدرة فيما تقدم ، أو يجعل قوله تعالى : { كَأَنَّهُنَّ الياقوت والمرجان } كناية عنه لأنهما مما يصان كما قيل :
جوهرة أحقاقها الخدور *** ومن ذهب إلى تفضيل الأخيرتين يقول : هذا أمدح لعموم { خيرات حِسَانٌ } [ الرحمن : 70 ] الصفات الحسنة خَلقاً وخُلُقاً ويدخل في ذلك قصر الطرف وغيره مما يدل عليه التشبيه بالياقوت والمرجان ، والمراد بالقاصر على التفسير الثاني لمقصورات القاصر الطبيعي بقرينة المقام فيكون فيه إشارة إلى تعذر ترك القصر منهن ، و { قاصرات الطرف } ربما يوهم أن القصر باختيارهن فمتى شئن قصرن ومتى لم يشأن لم يقصرن .
{ حور } : أي أولئك الخيرات حور أى بيض والواحدة حوراء أي بيضاء .
{ مقصورات في الخيام } : أي مستورات محبوسات على أزواجهن في الخيام والخيمة من در مجوف مضافة إلى القصور ، وطول الخيمة الواحدة ستون ميلا .
{ حور مقصورات في الخيام } إن أولئك الخيرات حور جمع حوراء وهي البيضاء ، والحوارء كذلك من يغلب بياض عينها سوادهما وهو من جمال النساء محبوسات في الخيام لا ينظرن إلى غير أزواجهن ، والخيمة من درة مجوفة طولها ستون ميلا مضافة إلى قصورهم .
- فضل المرأة المقصورة في بيتها وذم الولاجة الخراجة كما قال ابن عباس رضي الله عنهما
قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان* حور مقصورات في الخيام } مستورات في الحجال ، يقال : امرأة مقصورة وقصيرة إذا كانت مخدرة مستورة لا تخرج . وقال مجاهد : يعني قصرن طرفهن وأنفسهن على أزواجهن فلا يبغين لهم بدلاً . وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بين السماء والأرض ولملأت ما بينهما ريحاً ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها " . { في الخيام } جمع خيمة .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد ابن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن المثنى ، أنبأنا عبد العزيز ابن عبد الصمد ، أنبأنا عمران الجوني ، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة ، عرضها ستون ميلاً ، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن " .
وقوله { حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الخيام } بدل من خيرات . والحور : جمع حوراء ، وهى المرأة ذات الحور ، أى : ذات العين التى اشتد بياضها واشتد سوادها فى جمال وحسن .
ومقصورات : جمع مقصورة أى : محتجبة فى بيتها ، قد قصرت نفسها على زوجها . . فهى لا تجرى فى الطرقات . . . بل هى ملازمة لبيتها ، وتلك صفة النساء الفضليات اللاتى يزورهن من يريدهن ، أما هن فكما قال الشاعر :
ويكرمها جاراتها فيزرنها . . . وتعتل عن إتيانهن فَتُعذر
أى : فى تلك الجنات نساء خيرات فضليات جميلات مخدرات . ملازمات لبيوتهن ، لا يتطلعن إلى غير رجالهن .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم نعتهن، فقال: {حور مقصورات في الخيام} يعني بالحوراء البيضاء، وبالمقصورات المحبوسات على أزواجهن في الخيام، يعني الدر المجوف الدرة الواحدة مثل القصر العظيم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء الخيرات الحسان" حُورٌ "يعني بقول حور: بِيض، وهي جمع حوراء، والحوراء: البيضاء...
وأما قوله: "مَقْصُورَاتٌ" فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله؛ فقال بعضهم: تأويله أنهنّ قُصِرْن على أزواجهنّ، فلا يبغين بهم بدلاً، ولا يرفعن أطرافهنّ إلى غيرهم من الرجال...
وقال آخرون: عُنِي بذلك أنهنّ محبوسات في الحِجال...
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تبارك وتعالى وصفهنّ بأنهنّ مقصورات في الخيام والقصر: هو الحبس، ولم يخصص وصفهنّ بأنهنّ محبوسات على معنى من المعنيين اللذين ذكرنا دون الآخر بل عمّ وصفهنّ بذلك، والصواب أن يعمّ الخبر عنهنّ بأنهنّ مقصورات في الخيام على أزواجهنّ، فلا يردن غيرهم، كما عمّ ذلك.
وقوله: "فِي الخِيامِ" يعني بالخيام: البيوت، وقد تسمي العرب هوادج النساء خياما...عن ابن عباس "فِي الخِيامِ" قال: بيوت اللؤلؤ.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}...
يُقال للمرأة: قصيرة وقصورة ومقصورة إذا كانت مخدّرة مستورة لا تخرج.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
...وهُنَّ لِمَنْ هو مقصورٌ الجوارح عن الزَّلاَّت، مقصورُ القلب عن الغفلات، مقصور السِّرِّ عن مساكنة الأشكال والأعلال والأشباه والأمثال.
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
(حور مقصورات في الخيام) أي: محبوسات، وليس هذا الحبس إهانة، إنما هو حبس الكرامة. وقال بعضهم: الخيمة بمعنى القبة، وهي قباب العرب التي كانوا يسكنونها في البادية، فذكر لهم مثل ما كانوا يستلذونها ويستطيبونها، وقد كانوا يستطيبون السكنى في الخيام في البوادي..
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{مقصورات}...وكانت العرب تمدح النساء بملازمة البيوت.
إشارة إلى عظمتهن فإنهن ما قصرن حجرا عليهن، وإنما ذلك إشارة إلى ضرب الخيام لهن وإدلاء الستر عليهن، والخيمة مبيت الرجل كالبيت من الخشب، حتى إن العرب تسمي البيت من الشعر خيمة لأنه معد للإقامة، إذا ثبت هذا فنقول: قوله: {مقصورات في الخيام} إشارة إلى معنى في غاية اللطف، وهو أن المؤمن في الجنة لا يحتاج إلى التحرك لشيء وإنما الأشياء تتحرك إليه فالمأكول والمشروب يصل إليه من غير حركة منه، ويطاف عليهم بما يشتهونه فالحور يكن في بيوت، وعند الانتقال إلى المؤمنين في وقت إرادتهم تسير بهن للارتحال إلى المؤمنين خيام وللمؤمنين قصور تنزل الحور من الخيام إلى القصور...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أي: محبوسات في خيام اللؤلؤ، قد تهيأن وأعددن أنفسهن لأزواجهن، ولا ينفي ذلك خروجهن في البساتين ورياض الجنة، كما جرت العادة لبنات الملوك ونحوهن المخدرات الخفرات...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ووصف نساء الجنتين الأوليين {بقاصرات الطرف}. ووصف نساء الجنات الأربع بأنهن {حور مقصورات} في الخيام، فعلم أن الصفات الثابتة لنساء الجنتين واحدة. والمقصورات: اللاَّءِ قُصِرت على أزواجهن لا يعدون الأنس مع أزواجهن، وهو من صفات الترف في نساء الدنيا فهنّ اللاء لا يحتجن إلى مغادرة بيوتهن لخدمة أو وِرد أو اقتطاف ثمار، أي هن مخدومات مكرمات.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
و «الخيمة» كما ذكر علماء اللغة وبعض المفسّرين لا تطلق على الخيم المصنوعة من القماش المتعارف فحسب. بل تطلق أيضاً على البيوت الخشبية وكذلك كلّ بيت دائري. وقيل أنّها تطلق على كلّ بيت لم يكن من الحجر وأشباهه.