السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{حُورٞ مَّقۡصُورَٰتٞ فِي ٱلۡخِيَامِ} (72)

ثم زاد في وصفهنّ بقوله تعالى : { حور } جمع حوراء وهي الشديدة سواد العين الشديدة بياضها { مقصورات } والمقصورات المحبوسات المستورات { في الخيام } وهي الحجال ، فلسن بالطوّافات في الطرق ؛ قاله ابن عباس ، والنساء تمدح بملازمتهنّ البيوت كما قال قيس بن الأسلت :

وتكسل عن جيرانها فيزرنها *** وتعتل من إتيانهنّ فتعذر

ويقال امرأة مقصورة وقصيرة وقصورة بمعنى واحد ، قال كثير عزة :

وأنت التي حببت كلّ قصيرة *** إليّ ولم يعلم بذاك القصائر

عنيت قصيرات الحجال ولم أرد *** قصار الخطا شر النساء البحاتر

والخيام : جمع خيمة ، وهي : أربعة أعواد تنصب وتسقف بشيء من نبات الأرض ، وجمعها خيم ، كتمرة وتمر ، وتجمع الخيم على خيام فهو جمع الجمع ؛ وأمّا ما يتخذ من شعر أو وبر أو نحوه فيقال له : خباء ، وقد يطلق عليه خيمة تجوّزاً . وقال عمر : الخيمة درة مجوّفة . وقاله ابن عباس قال : وهي فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب . وفي الحديث : «أنّ في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها : ستون ميلاً ؛ في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمنون » . وقال أبو عبد الله الحكيم الترمذي : قال : بلغنا أن سحابة أمطرت من العرش فخلقن أي : الحور العين من قطرات الرحمة ، ثم ضرب على كل واحدة خيمة على شاطئ الأنهار سعتها أربعون ميلاً وليس لها باب ، حتى إذا دخل وليّ الله تعالى بالخيمة انصدعت الخيمة عن باب ليعلم وليّ الله أنّ أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تأخذها ، فهي مقصورة قد قصرها الله عن أبصار المخلوقين . وقال مجاهد : معناه قصرن أطرافهنّ وأنفسهنّ على أزواجهنّ فلا يبغين بدلاً . وقال صلى الله عليه وسلم : «لو أنّ امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت على أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ، ولملأت ما بينهما ريحاً ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها » .

فائدة : اختلفوا أيما أكثر حسناً وأتم جمالاً ، الحور أم الآدميات ؛ فقيل : الحور لما ذكر في وصفهنّ في القرآن والسنة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في دعائه في صلاة الجنازة : «وأبدله زوجاً خيراً من زوجه » . وقيل : الآدميات أفضل من الحور العين بسبعين ألف ضعف روي ذلك مرفوعاً . وقيل : إن الحور العين المذكورات في القرآن هن المؤمنات من أزواج النبيين والمؤمنين ، يخلقن في الآخرة على أحسن صورة ، قاله الحسن البصري ، قال ابن عادل : والمشهور أن الحور العين لسن من نساء أهل الدنيا ، إنما هنّ مخلوقات في الجنة لأنّ الله تعالى قال : { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جانّ } وأكثر نساء أهل الدنيا مطموثات ا . ه . لكن مرّ أنه لم يطمثهن بعد إنشائهن خلقاً آخر وعلى هذا لا دليل في ذلك .