وبعد هذه اللمسة الموقظة الموجهة يستأنف حكاية حديثهم عن البعث ، ودهشتهم البالغة لهذا الأمر ، الذي يرونه عجيباً غريباً ، لا يتحدث به إلا من أصابه طائف من الجن ، فهو يتفوه بكل غريب عجيب ، أو يفتري الكذب ويقول بما لا يمكن أن يكون .
( وقال الذين كفروا : هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ! أفترى على الله كذباً أم به جنة ? بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد ) . .
إلى هذا الحد من الاستغراب والدهش كانوا يقابلون قضية البعث . فيعجبون الناس من أمر القائل بها في أسلوب حاد من التهكم والتشهير : ( هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ? )هل ندلكم على رجل عجيب غريب ، ينطق بقول مستنكر بعيد ، حتى ليقول : إنكم بعد الموت والبلى والتمزق الشديد تخلقون من جديد ، وتعودون للوجود ? !
{ وقال الذين كفروا } : أي قال بعضهم لبعض على جهة التعجيب .
{ هل ندلكم على رجل } : أي محمد صلى الله عليه وسلم .
{ إذا مُزقتم كل ممزق } : أي قطعتم كل التقطيع .
{ إنكم لفي خلق جديد } : أي تبعثون خلقاً جديداً لم ينقص منكم شيء .
ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث والجزاء إنه لما قررها تعالى في الآيات قبل أورد هنا ما يتقاوله المشركون بينهم في تهكم واستهزاء واستبعاد للحياة الآخرة . فقال تعالى حاكيا قولهم : { وقال الذين كفروا } وهم مشركو مكة أي بعضهم لبعض متعجبين { هل ندلكم على رجل } يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم { ينبئكم } أي يخبركم بأنكم إذا متم وتمزقت لحومكم وتكسرت عظامكم وذهبتم في الأرض تراباً تبعثون في خلق جديد بعد أن مزقتم كل ممزق أي كل التمزيق فلم يبق شيء متصل ببعضه بعضاً .
- بيان ما كان المشركون عليه من استهزاء وتكذيب وسخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم .
ولما عجب سبحانه{[56389]} من الذين كفروا في قولهم { لا تأتينا الساعة } المتضمن لتكذيبهم ، وختم بتصديق الذين أوتوا العلم مشيراً إلى أن سبب{[56390]} تكذيب الكفرة الجهل الذي سببه الكبر ، عجب منهم تعجيباً آخر أشد من الأول لتصريحهم بالتكذيب على وجه عجيب{[56391]} فقال : { وقال{[56392]} الذين كفروا } أي الذين تحققوا أمره صلى الله عليه وسلم وأجمعوا خلافه وعتوا على العناد{[56393]} ، لمن يرد عليهم ممن لا يعرف حقيقة حاله معجبين ومنفرين{[56394]} : { هل ندلكم } أي أيها المعتقدون أن لا حشر . ولما أخرجوا الكلام مخرج الغرائب المضحكة{[56395]} لم يذكروا اسمه مع أنه أشهر الأسماء ، بل قالوا : { على رجل } أي ليس هو {[56396]}صبياً و{[56397]} لا امرأة حتى تعذروه{[56398]} { ينبئكم } أي يخبركم متى شئتم{[56399]} إخباراً لا أعظم منه بما حواه من العجب الخارج عما نعقله مجدداً لذلك متى شاء المستخبر له{[56400]} .
ولما كان القصد ذكر ما يدل عندهم على استبعاد البعث ، قدموا المعمول فقالوا : { إذا } أي إنكم إذا{[56401]} { مزقتم } أي قطعتم وفرقتم بعد موتكم {[56402]}من كل من شأنه أن يمزق من التراب والرياح وطول الزمان ونحو ذلك{[56403]} تمزيقاً عظيماً ، بحيث صرتم تراباً ، وذلك{[56404]} معنى { كل ممزق } أي كل تمزيق ، فلم يبق شيء من أجسادكم مع شيء ، بل صار الكل بحيث {[56405]}لا يميز بين{[56406]} ترابه وتراب الأرض ، وذهبت به السيول كل مذهب ، فصار مع اختلاطه بتراب الأرض والتباسه متباعداً بعضه عن بعض ، وكسر معمول " ينبئكم " لأجل اللام فقال : { إنكم لفي } أي لتقومون كما كنتم قبل الموت قياماً لا شك فيه ، والإخبار به مستحق{[56407]} لغاية التأكيد{[56408]} { خلق جديد * } وهذا عامل{[56409]} إذا الظرفية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.