في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ لِلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِوَكِيلٍ} (41)

36

تلك حقيقة الوضع بين رسل الله وسائر قوى الأرض التي تقف لهم في الطريق . فما حقيقة وظيفتهم وما شأنهم مع المكذبين ?

إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق . فمن اهتدى فلنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها . وما أنت عليهم بوكيل . الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ، فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى . إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون . أم اتخذوا من دون الله شفعاء ? قل : أو لو كانوا لا يملكون شيئاً ولا يعقلون ? قل : لله الشفاعة جميعاً . له ملك السماوات والأرض ، ثم إليه ترجعون . .

( إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق ) . . الحق في طبيعته . والحق في منهجه . والحق في شريعته . الحق الذي تقوم عليه السماوات والأرض ؛ ويلتقي عليه نظام البشرية في هذا الكتاب ونظام الكون كله في تناسق . هذا الحق نزل( للناس )ليهتدوا به ويعيشوا معه ويقوموا عليه . وأنت مبلغ . وهم بعد ذلك وما يشاءون لأنفسهم من هدى أو ضلال ، ومن نعيم أو عذاب . فكل مورد نفسه ما يشاء ؛ وما أنت بمسيطر عليهم ولا بمسؤول عنهم :

( فمن اهتدى فلنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها ، وما أنت عليهم بوكيل ) . .

إنما الوكيل عليهم هو الله . وهم في قبضته في صحوهم ونومهم وفي كل حالة من حالاتهم ، وهو يتصرف بهم كما يشاء :

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ لِلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِوَكِيلٍ} (41)

شرح الكلمات :

{ إنا أنزلنا عليك الكتاب بالحق } : أي أنزلنا عليك يا رسولنا القرآن بالحق أي ملتبساً به .

{ وما أنت عليهم بوكيل } : أي ليس عليك أمر هدايتهم فتجبرهم على الإِيمان .

المعنى :

إن السياق الكريم كان في عرض الصراع الدائر بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقومه المشركين فدافع الله تعالى عن رسوله ودفع عنه كل أذى ومكروه وتوعد خصومه بالعذاب في الدنيا والآخرة وهنا يسليه ويصبره فيقول له { إنا أنزلنا عليك الكتاب } أي القرآن { للناس } أي لهداية الناس وإصلاحهم { بالحق } أي ملتبساً بالحق ، فمن اهتدى بالقرآن فآمن وعمل صالحاً فعائد ذلك له حيث ينجو من النار ويدخل الجنة ، ومن ضل لعدم قبوله هداية القرآن فأصر على الشرك والمعاصي فإنما يضل على نفسه أي عائد ضلاله على نفسه إذ هو الذي يحرم الجنة ورضا الله تعالى ويُلقى في النار خالداً فيها وعليه غضب من الله لا يفارقه أبداً .

وقوله : { وما أنت عليهم بوكيل } أي لم يوكل إليك أمر هدايتهم فتجد نفسك في هم من ذلك إن عليك إلا البلاغ المبين إنك لم تكلف حفظ أعمالهم ومحاسبتهم عليها ، ولا أمر هدايتهم فتجيرهم على ذلك .

الهداية :

من الهداية :

- تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله على الصبر والثبات في أصعب الظروف .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ لِلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِوَكِيلٍ} (41)

{ 41 } { إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ }

يخبر تعالى أنه أنزل على رسوله الكتاب المشتمل على الحق ، في أخباره وأوامره ونواهيه ، الذي هو مادة الهداية ، وبلاغ لمن أراد الوصول إلى اللّه وإلى دار كرامته ، وأنه قامت به الحجة على العالمين .

{ فَمَنِ اهْتَدَى } بنوره واتبع أوامره فإن نفع ذلك يعود إلى نفسه { وَمَنْ ضَلَّ } بعدما تبين له الهدى { فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } لا يضر اللّه شيئا . { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ } تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها ، وتجبرهم على ما تشاء ، وإنما أنت مبلغ تؤدي إليهم ما أمرت به .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ لِلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّۖ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۖ وَمَآ أَنتَ عَلَيۡهِم بِوَكِيلٍ} (41)

ولما تجلت عرائس هذه المعاني آخذة بالألباب ، ولمعت سيوف تلك المباني من المثاني قاطعة الرقاب ، وختمها بما ختم من صادع الإرهاب ، أنتجت ولا بد قوله معللاً لإتيان ما توعدهم به مؤكداً لما لهم من الإنكار لمضمون هذا الإخبار : { إنا أنزلنا } أي بما لنا من باهر العظمة ونافذ الكلمة .

ولما كان توسط الملك خفياً . لم يعده فأسقط حرف الغاية إفهاماً لأنه في الحقيقة بلا واسطة بعد أن أثبت وساطته أول السورة فقال مقروناً بالأمر بالعبادة إشارة إلى بداية الحال ، فلما حصل التمكن فصار الكتاب خلقاً له صلى الله عليه وسلم وصار ظهوره فيه هادياً لغيره ، نبه على ذلك بأداة الاستعلاء فقال : { عليك } أي خاصة لا على غيرك من أهل هذا الزمان ، لأنك عندنا الخالص لنا دون أهل القريتين ودون أهل الأرض كلهم ، لم يكن لشيء دوننا فيك حظ { الكتاب } الجامع لكل خير لكونه في غاية الكمال بما دل عليه " ال " { للناس } عامة لأن رسالتك عامة { بالحق } مصاحباً له ، لا يقدر الخلق على أن يزيحوا معنى من معانيه عن قصده ، ولا لفظاً من ألفاظه عن سبيله وحده ، بل هو معجز في معانيه - حاضرة كانت أو غائبه - ونظومه ، وألفاظه وأسماء سوره وآياته وجميع رسومه ، فلا بد من إتيان ما فيه من وعد ووعيد .

ولما تسبب عن علم ذلك وجوب المبادرة إلى الإذعان له لفوز الدارين ، حسن جداً قوله تعالى تسلية له صلى الله عليه وسلم لعظيم ما له من الشفقة عليهم وتهديداً لهم : { فمن اهتدى } أي طاوع الهادي { فلنفسه } أي فاهتداؤه خاص نفعه بها ليس له فيه إلا أجر التسبب { ومن ضل } أي وقع منه ضلال بمخالفته لداعي الفطرة ثم داعي الرسالة عن علم وتعمد ، أو إهمال للنظر وتهاون . ولما كان ربما وقع في وهم أنه يحلق الداعي بعد البيان ومن إثم الضال ، وكان السياق لتهديد الضالين . زاد في التأكيد فقال : { فإنما يضل عليها } أي ليس عليك شيء من ضلاله ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات .

ولما هدى السياق إلى أن التقدير : فما أنت عليهم بجبار لتقهرهم على الهدى ، عطف عليه قوله : { وما أنت } أي في هذا الحال ، ولمزيد العناية بنفي القهر أداة الاستعلاء فقال : { عليهم بوكيل * } لتحفظهم عن الضلال ، فإن الرسالة إليهم لإقامة الحجة لا لقدرة الرسول على هدايتهم ولا لعجز المرسل عن ذلك .