ويهتف للذين آمنوا بتقوى الله في حدود الطاقة والإستطاعة ، وبالسمع والطاعة :
( فاتقوا الله ما استطعتم - واسمعوا وأطيعوا ) . .
وفي هذا القيد : ( ما استطعتم )يتجلى لطف الله بعباده ، وعلمه بمدى طاقاتهم في تقواه وطاعته . وقد قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " فالطاعة في الأمر ليس لها حدود ، ومن ثم يقبل فيها ما يستطاع . أما النهي فلا تجزئة فيه فيطلب بكامله دون نقصان . ويهيب بهم إلى الإنفاق :
فهم ينفقون لأنفسهم . وهو يأمرهم أن ينفقوا الخير لأنفسهم . فيجعل ما ينفقونه كأنه نفقة مباشرة لذواتهم ، ويعدها الخير لهم حين يفعلون .
ويريهم شح النفس بلاء ملازما . السعيد السعيد من يخلص منه ويوقاه ؛ والوقاية منه فضل من الله :
{ فاتقوا الله ما استطعتم } : أي ومن يقه الله شح نفسه فيعافيه من البخل والحرص على المال .
وقوله تعالى { فاتقوا اله ما استطعتم } هذا من إحسان الله تعالى إلى عباده المؤمنين إنه لما علمهم أن أموالهم وأولادهم فتنة وحذرهم أن يؤثروهم على طاعة الله ورسوله علم أن بعض المؤمنين سوف يزهدون في المال والولد ، وأن بعضاً سوف يعانون أتعاباً ومشقة شديدة في التوفيق بين خدمة المصلحتين فأمرهم أن يتقوه في حدود ما يطيقون فقط وخير الأمور الوسط فلا يفرط في ولده وماله ، ولا يفرط في علة وجوده وسبب نجاته وسعادته وهي عبادة الله تعالى التي خلق لأجلها وعليها مدار نجاته من النار ودخوله الجنة .
وقوله تعالى واسمعوا ما يدعوكم الله ورسوله إليه { وأطيعوا وأنفقوا } في طاعة الله من أموالكم خيراً لأنفسكم من عدم الإِنفاق فإنه شر لكم وليس بخير .
وقوله تعالى : { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } أعلمهم أن عدم الإِنفاق ناتج عن شح النفس ، وشح النفس لا يقي منه إلا الله ، فعليكم باللجوء إلى الله تعالى ليحفظكم من شح نفوسكم فادعوه وتوسلوا إليه بالإِنفاق قليلاً حتى يحصل الشفاء من مرض الشح الذي هو البخل مع الحرص الشديد على جمع المال والحفاظ عليه ومن شفي من مرض الشح أفلح وأصبح في عداد المفلحين الفائزين بالجنة بعد النجاة من النار .
- وجوب تقوى الله بفعل الواجبات وترك المنهيات في حدود الطاقة البشرية .
- الترغيب في الإِنفاق في سبيل الله تعالى والتحذير من الشح فإنه داء خطير .
{ فاتقوا الله ما استطعتم } يعني اذا أمكنكم الجهاد والهجرة فلا يفتننكم الميل الى الأموال والأولاد عن ذلك وهذه الآية ناسخة لقوله تعالى { اتقوا الله حق تقاته } وقوله { وأنفقوا خيرا لأنفسكم } أي قدموا خيرا لأنفسهم من
أموالكم { ومن يوق شح نفسه } بخلها وحرصها حتى ينفق المال { فأولئك هم المفلحون } الفائزون بالخير
ولما كان التقدير : وعنده عذاب أليم لمن خالف ، سبب عنه قوله فذلكة أخرى لما تقدم من{[65872]} السورة كلها : { فاتقوا الله } مظهراً غير مضمر تعظيماً للمقام واحترازاً من أن يتوهم نوع تقيد فأفهم الإظهار أن المعنى : اجعلوا بينكم وبين سخط الملك الأعلى وقاية من غير نظر إلى حيثية ولا خصوصية بشيء ما ، باجتناب نواهيه بعد امتثال أوامره ، فإن التقوى إذا انفردت كان المراد بها فعل الأوامر وترك المناهي ، وإذا جمعت مع غيرها أريد بها اجتناب النواهي{[65873]} فقط .
ولما كان الأمر إذا نسب إليه سبحانه أعظم من مقالة قائل ، فلا يستطيع أحد أن يقدره سبحانه حق قدره ، خفف ويسر بقوله : { ما استطعتم } أي ما دمتم في الجملة قادرين مستطيعين ، ويتوجه عليكم التكليف في العلميات والعمليات ، وابذلوا جهدكم في ذلك في الإيمانيات لما علمتم من ذاته ومرتبته وصفاته تعالى وأفعاله ، وغير ذلك من جميع أعمالكم الظاهرة والباطنة ، وأعظمه الهجرة والجهاد ، فلا يمنعكم الإخلاد إليها ذلك والتقوى فيما وقع من المكروهات بالندم والإقلاع مع العزم على ترك العود ، وفيما لم يقع بالاحتراس عن أسبابه ، وبذل الإنسان جميع جهده هو الاتقاء حق التقاة {[65874]}فلا نسخ{[65875]} - والله أعلم .
ولما كان إظهار الإسلام ليس فيه مشقة كالأعمال قال : { واسمعوا } أي سماع إذعان وتسليم لما توعظون به ولجميع أوامره { وأطيعوا } أي وصدقوا ذلك الإذعان بمباشرة الأفعال الظاهرة في الإسلاميات من القيام بأمر الله والشفقة على خلق الله في كل أمر ونهي على حسب الطاقة ، وحذف المتعلق ليصدق الأمر بكل طاعة من{[65876]} الكل والبعض وكذا في الإنفاق . ولما كان الإنفاق شديداً أكد أمره بتخصيصه بالذكر فقال : { وأنفقوا } أي أوقعوا الإنفاق{[65877]} كما حد لكم فيما أوجبه أو ندب إليه وإن كان في حق من اطلعتم منها{[65878]} على عداوة ، والإنفاق لا يخص نوعاً بل يكون ما رزق الله من الذاتي والخارجي .
ولما كان الحامل على الشح ما يخطر في البال من الضرورات التي أعزها ضرورة{[65879]} النفس ، رغب فيه بما ينصرف إليه بادىء بدء ويعم جميع ما تقدم فقال : { خيراً } أي يكن ذلك أعظم خير واقع{[65880]} { لأنفسكم } فإن الله يعطي خيراً منه في الدنيا ما يزكي به النفس ، ويدخر عليه من الجزاء في الآخرة ما لا يدري كنهه ، فلا يغرنكم عاجل شيء من ذلك فإنما هو زخرف {[65881]}وغرور لا طائل تحته{[65882]} . ولما ذكر ما في الإنفاق من الخير عم في جميع الأوامر فقال : { ومن يوق } بناه للمفعول تعظيماً للترغيب فيه نفسه مع قطع الناضر عن الفاعل أي يقيه واق أيّ واق كان - وأضافه إلى ما الشؤم كله منه فقال : { شح نفسه } فيفعل في ماله وجميع ما أمر به ما يطيقه مما{[65883]} أمر به موقناً به{[65884]} مطمئناً إليه حتى يرتفع عن قلبه الأخطار ، ويتحرز عن رق المكونات ، والشح : {[65885]}خلق باطن{[65886]} هو الداء العضال رأس الحية وكل فتنة ضلالة ، والبخل فعل ظاهر{[65887]} ينشأ عن الشح ، والنفس تارة تشح بترك الشهوة من المعاصي فتفعلها ، وتارة بإعطاء الأعضاء في الطاعات فتتركها ، وتارة بإنفاق{[65888]} المال ، ومن فعل ما فرض عليه خرج عن الشح . ولما كان الواقي إنما هو الله تعالى{[65889]} سبب عن وقايته قوله : { فأولئك } أي العالو الرتبة { هم } أي خاصة { المفلحون * } أي الذين حازوا جميع المرادات بما اتقوا الله فيه من الكونيات{[65890]} من المال والولد والأهل والمشوشات من جميع القواطع .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.