في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمۡ يَغۡفِرُونَ} (37)

36

وطهارة القلب ، ونظافة السلوك من كبائر الإثم ومن الفواحش ، أثر من آثار الإيمان الصحيح . وضرورة من ضرورات القيادة الراشدة . وما يبقى قلب على صفاء الإيمان ونقاوته وهو يقدم على كبائر الذنوب والمعاصي ولا يتجنبها . وما يصلح قلب للقيادة وقد فارقه صفاء الإيمان وطمسته المعصية وذهبت بنوره .

ولقد ارتفع الإيمان بالحساسية المرهفة في قلوب العصبة المؤمنة ، حتى بلغت تلك الدرجة التي أشارت إليها المقتطفات السابقة [ ص 77 ] وأهلت الجماعة الأولى لقيادة البشرية قيادة غير مسبوقة ولا ملحوقة . ولكنها كالسهم يشير إلى النجم ليهتدي به من يشاء في معترك الشهوات !

والله يعلم ضعف هذا المخلوق البشري ، فيجعل الحد الذي يصلح به للقيادة ، والذي ينال معه ما عند الله ، هو اجتناب كبائر الإثم والفواحش . لا صغائر الإثم والذنب . وتسعه رحمته بما يقع منه من هذه الصغائر ، لأنه أعلم بطاقته . وهذا فضل من الله وسماحة ورحمة بهذا الإنسان ؛ توجب الحياء من الله ، فالسماحة تخجل والعفو يثير في القلب الكريم معنى الحياء .

( وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) . .

وتأتي هذه الصفة بعد الإشارة الخفية إلى سماحة الله مع الإنسان في ذنوبه وأخطائه ، فتحبب في السماحة والمغفرة بين العباد . وتجعل صفة المؤمنين أنهم إذا ما غضبوا هم يغفرون .

وتتجلى سماحة الإسلام مرة أخرى مع النفس البشرية ؛ فهو لا يكلف الإنسان فوق طاقته . والله يعلم أن الغضب انفعال بشري ينبع من فطرته . وهو ليس شراً كله . فالغضب لله ولدينه وللحق والعدل غضب مطلوب وفيه الخير . ومن ثم لا يحرم الغضب في ذاته ولا يجعله خطيئة . بل يعترف بوجوده في الفطرة والطبيعة ، فيعفي الإنسان من الحيرة والتمزق بين فطرته وأمر دينه . ولكنه في الوقت ذاته يقوده إلى أن يغلب غضبه ، وأن يغفر ويعفو ، ويحسب له هذا صفة مثلى من صفات الإيمان المحببة . هذا مع أنه عرف عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أنه لم يغضب لنفسه قط ، إنما كان يغضب لله ، فإذا غضب لله لم يقم لغضبه شيء . ولكن هذه درجة تلك النفس المحمدية العظيمة ؛ لا يكلف الله نفوس المؤمنين إياها . وإن كان يحببهم فيها . إنما يكتفي منهم بالمغفرة عند الغضب ، والعفو عند القدرة ، والاستعلاء على شعور الانتقام ، ما دام الأمر في حدود الدائرة الشخصية المتعلقة بالأفراد .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمۡ يَغۡفِرُونَ} (37)

{ كبائر الإثم } ذكرنا الكبائر في النساء وقيل : كبائر الإثم : هو الشرك ، والفواحش : هي الزنا واللفظ أعم من ذلك .

{ والذين استجابوا لربهم } قيل : يعني : الأنصار لأنهم استجابوا لما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، ويظهر لي أن هذه الآية : إشارة إلى ذكر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، لأنه بدأ أولا بصفات أبي بكر الصديق ، ثم صفات عمر بن الخطاب ثم صفات عثمان بن عفان ثم صفات علي بن أبي طالب ، فكونه جمع هذه الصفات ورتبها على هذا الترتيب يدل على أنه قصد بها من اتصف بذلك .

فأما صفات أبي بكر فقوله : { الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون } [ النحل : 99 ] ، وإنما جعلناها صفة أبي بكر وإن كان جميعهم متصفا بها لأن أبا بكر كانت له فيها مزية لم تكن لغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان الأمة لرجحهم " وقال صلى الله عليه وسلم : " أنا مدينة الإيمان وأبو بكر بابها " وقال أبو بكر : " لو كشف الغطاء لما ازددت إلا يقينا " والتوكل إنما يقوى بقوة الإيمان .

أما صفات عمر فقوله : { والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش } لأن ذلك هو التقوى ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " أنا مدينة التقوى وعمر بابها " وقوله : { وإذا ما غضبوا هم يغفرون } [ الشورى : 37 ] ، وقوله : { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } [ الجاثية : 14 ] نزلت في عمر .

وأما صفات عثمان فقوله : " والذين استجابوا لربهم " لأن عثمان لما دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان تبعه وبادر إلى الإسلام وقوله : { وأقاموا الصلاة } لأن عثمان كان كثير الصلاة بالليل ، وفيه نزلت { أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما } [ الزمر : 9 ] الآية .

وروي أنه كان يحيي الليل بركعة يقرأ فيها القرآن كله ، وقوله : { وأمرهم شورى بينهم } لأن عثمان ولي الخلافة بالشورى ، وقوله : { ومما رزقناهم ينفقون } [ البقرة : 3 ] ، لأن عثمان كان كثير النفقة في سبيل الله ويكفيك أنه جهز جيش العسرة .

وأما صفة علي فقوله : { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون }

 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡفَوَٰحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمۡ يَغۡفِرُونَ} (37)

{ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ( 37 ) }

والذين يجتنبون كبائر ما نهى الله عنه ، وما فَحُش وقَبُح من أنواع المعاصي ، وإذا ما غضبوا على مَن أساء إليهم هم يغفرون الإساءة ، ويصفحون عن عقوبة المسيء ؛ طلبًا لثواب الله تعالى وعفوه ، وهذا من محاسن الأخلاق .