في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَيُّكُمۡ يَأۡتِينِي بِعَرۡشِهَا قَبۡلَ أَن يَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ} (38)

15

ثم إذا سليمان - عليه السلام - يدرك أن هذا الرد سينهي الأمر مع ملكة لا تريد العداء - كما يبدو من طريقتها في مقابلة رسالته القوية بهدية ! - ويرجح أنها ستجيب دعوته . أو يؤكد . وقد كان .

ولكن السياق لا يذكر كيف عاد رسلها إليها ، ولا ماذا قالوا لها ، ولا ماذا اعتزمت بعدها . إنما يترك فجوة نعلم مما بعدها أنها قادمة ، وأن سليمان يعرف هذا ، وأنه يتذاكر مع جنوده في استحضار عرشها ، الذي خلفته في بلادها محروسا مصونا :

( قال : يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ? قال عفريت من الجن : أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك . وإني عليه لقوي أمين . قال الذي عنده علم من الكتاب : أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) . .

ترى ما الذي قصد إليه سليمان - عليه السلام - من استحضار عرشها قبل مجيئها مسلمة مع قومها ? نرجح أن هذه كانت وسيلة لعرض مظاهر القوة الخارقة التي تؤيده ، لتؤثر في قلب الملكة وتقودها إلى الإيمان بالله ، والإذعان لدعوته .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قَالَ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَيُّكُمۡ يَأۡتِينِي بِعَرۡشِهَا قَبۡلَ أَن يَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ} (38)

قال محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن رُومَان قال : فلما رجعت إليها الرسل بما قال سليمان قالت : قد - والله - عرفتُ ، ما هذا بملك ، وما لنا به من طاقة ، وما نصنع بمكاثرته{[22045]} شيئًا . وبعثت إليه : إني قادمة عليك بملوك قومي ، لأنظر ما أمرك وما تدعونا إليه من دينك . ثم أمرت بسرير ملكها الذي كانت تجلس عليه - وكان من ذهب مُفصَّص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ - فجعل في سبعة أبيات ، بعضها في بعض ، ثم أقفلت عليه الأبواب ، ثم قالت لمن خَلفت على سلطانها : احتفظ بما قبلك ، وسرير ملكي ، فلا يخلص إليه أحد من عباد الله ، ولا يَرَينَّه أحد حتى آتيك . ثم شَخَصَت إلى سليمان في اثني عشر ألف قَيْل من ملوك اليمن ، تحت يدي كل قَيْل منهم ألوف كثيرة . فجعل سليمان يبعث الجن يأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة ، حتى إذا دَنت جمع مَنْ عنده من الجن والإنس ، مِمَّنْ تحت يديه ، فقال : { يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } .

وقال قتادة : لما بلغ سليمان أنها جائية ، وكان قد ذكر له عرشها فأعجبه ، وكان من ذهب ، وقوائمه لؤلؤ وجوهر ، وكان مسترًا بالديباج والحرير ، وكانت عليه تسعة مغاليق{[22046]} ، فكره أن يأخذه بعد إسلامهم . وقد علم نبي الله أنهم متى أسلموا تحرم أموالهم مع دمائهم فقال : { يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } .

وهكذا قال عطاء الخراساني ، والسُّدِّي ، وزُهير بن محمد : { قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } فتحرم علي أموالهم بإسلامهم .


[22045]:- في هـ : "بمكابرته" والمثبت من ف ، أ ، والطبري (19/100).
[22046]:- في ف : "معاليق".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَؤُاْ أَيُّكُمۡ يَأۡتِينِي بِعَرۡشِهَا قَبۡلَ أَن يَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ} (38)

استئناف ابتدائي لذكر بعض أجزاء القصة طوي خبر رجوع الرسل والهدية ، وعلم سليمان أن ملكة سبأ لا يسعها إلا طاعته ومجيئها إليه ، أو ورد له منها أنها عزمت على الحضور عنده عملاً بقوله : { وأتوني مسلمين } [ النمل : 31 ] .

ثم يحتمل أن يكون سليمان قال ذلك بعد أن حطت رحال الملكة في مدينة أورشليم وقبل أن تتهيَّأ للدخول على الملك ، أو حين جاءه الخبَر بأنها شارفت المدينة فأراد أن يحضر لها عرشها قبل أن تدخل عليه ليُرِيَها مقدرة أهل دولته .

وقد يكون عرشها محمولاً معها في رحالها جاءت به معها لتجلس عليه خشية أن لا يهيىء لها سليمان عرشاً ، فإن للملوك تقادير وظنوناً يحترزون منها خشية الغضاضة .