ثم يعقبه الإيقاع الأخير في السورة :
( فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون ) . .
وفي طياته تهديد خفي بعاقبة الانتظار ، بعد أن ينفض الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يده من أمرهم ، ويدعهم لمصيرهم المحتوم .
وتختم السورة على هذا الإيقاع العميق ، بعد تلك الجولات والإيحاءات والمشاهد والمؤثرات ، وخطاب القلب البشري بشتى الإيقاعات التي تأخذه من كل جانب ، وتأخذ عليه كل طريق . .
ثم قال : { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ } أي : أعرض عن هؤلاء المشركين وبلغ ما أنزل إليك من ربك ، كقوله : { اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 106 ] ، وانتظر فإن الله سينجز لك ما وعدك ، وسينصرك على من خالفك ، إنه لا يخلف الميعاد .
وقوله : { إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ } أي : أنت منتظر ، وهم منتظرون ، ويتربصون بكم الدوائر ، { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ } [ الطور : 30 ] ، وسترى أنت عاقبة صبرك عليهم وعلى أداء رسالة الله ، في نصرتك وتأييدك ، وسيجدون غب ما ينتظرونه فيك وفي أصحابك ، من وبيل عقاب الله لهم ، وحلول عذابه بهم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، [ والله أعلم ] . {[23166]}
[ آخر تفسير سورة " الم السجدة " ]{[23167]}
ثم أمره تعالى بالإعراض عن الكفار وانتظار الفرج ، وهذا مما نسخته آية السيف{[9440]} . وقوله تعالى : { إنهم منتظرون } أي العذاب ، بمعنى هذا حكمهم وإن كانوا لا يشعرون ، وقرأ محمد بن السميفع «منتظَرون » بفتح الظاء أي للعذاب النازل بهم{[9441]} .
والانتظار : الترقب . وأصله مشتق من النظر فكأنه مطاوع : أنظره ، أي أراه فانتظر ، أي : تكلف أن ينظُر . وحذف مفعول { انتظر } للتهويل ، أي : انتظر أياماً يكون لك فيها النصر ، ويكون لهم فيها الخسران مثل سني الجوع إنْ كان حصلت بعد نزول هذه السورة ، ومثل يوم بدر ويوم فتح مكة وهما بعد نزول هذه السورة لا محالة ، ففي الأمر بالانتظار تعريض بالبشارة للمؤمنين بالنظر ، وتعريض بالوعيد للمشركين بالعذاب في الدارين .
وجملة { إنهم منتظرون } تعليل لما تضمنه الأمر بالانتظار من إضمار العذاب لهم . ومفعول { منتظرون } محذوف دل عليه السياق ، أي منتظرون لكم الفرصة لحربكم أو لإخراجكم قال تعالى : { أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون } [ الطور : 30 ] وقال : { ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء } [ التوبة : 98 ] أي لم نكن ظالمين في تقدير العذاب لهم لأنهم بدأوا بالظلم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فأعرض عنهم وانتظر} بهم العذاب... {إنهم منتظرون} العذاب...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"فأعْرِضْ عَنْهُمْ وانْتَظِرْ إنّهُمْ مُنْتَظِرونَ" يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فأعرض يا محمد عن هؤلاء المشركين بالله، القائلين لك: متى هذا الفتح، المستعجليك بالعذاب، وانتظر ما الله صانع بهم.
"إنهم منتظرون "ما تعدهم من العذاب ومجيء الساعة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... ويحتمل أن يكون قوله: {فأعرض عنهم} أي لا تكافئهم لأذاهم إياك، {وانتظر} مكافأتنا إياهم {إنهم منتظرون}.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
"فأعرض عنهم" يا محمد، فإنه لا ينفع فيهم الدعاء والوعظ.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أعْرِض عنهم باشتغالك بنا، وإقبالك علينا، وانقطاعك إلينا. {وَانتَظِرْ} زوائدَ وَصْلِنا، وعوائدَ لطفنا.
{إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ} هواجِمَ مقتنا وخفايا مكرنا.. وعن قريب يجد كلُّ منتظرَه محتضراً.
{وانتظر إنهم منتظرون} يحتمل وجوها أحدها: وانتظر هلاكهم فإنهم ينتظرون هلاكك، وعلى هذا فرق بين الانتظارين، لأن انتظار النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى بعد وعده، وانتظارهم بتسويل أنفسهم والتعويل على الشيطان.
وثانيها: وانتظر النصر من الله فإنهم ينتظرون النصر من آلهتهم وفرق بين الانتظارين.
وثالثها: وانتظر عذابهم بنفسك فإنهم ينتظرونه بلفظهم استهزاء، كما قالوا: {فأتنا بما تعدنا} [الأعراف: 70] وقالوا {متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [النمل: 71] إلى غير ذلك.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
" فأعرض عنهم "معناه فأعرض عن سفههم ولا تجبهم إلا بما أمرت به.
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
أي منتظر هلاكهم، فإنهم أحقاء أن ينتظر هلاكهم، يعني: إنهم هالكون لا محالة، أو: وانتظر ذلك، فإن الملائكة في السماء ينتظرونه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وانتظر} أي ما نفعل بهم مما فيه إظهار أمرك وإعلاء دينك، ولما كان الحال مقتضياً لتردد السامع في حالهم هل هو الانتظار، أجيب على سبيل التأكيد بقوله: {إنهم منتظرون} أي ما يفعل بك وما يكون من عاقبة أمرك فيما تتوعدهم به وفي غيره.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
والأظهرُ أنْ يقالَ: إنَّهم منتظرون هلاكَهم كما في قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مّنَ الغمام} [سورة البقرة، الآية210] الآيةَ، ويقرُبُ منه ما قيلَ وانتظرْ عذابَنا إنَّهم مُنتظروه فإنَّ استعجالَهم المذكورَ وعكوفَهم على ما هُم عليه من الكُفر والمَعاصي في حُكم انتظارِهم العذابَ المترتِّبَ عليه لا محالةَ.
تيسير التفسير لاطفيش 1332 هـ :
{فأعرض عنهْم} لا تشتغل بجدالهم ولا تبال بتكذبيهم، وهذا مما يؤمر به ولو بعد الأمر بالقتال فلا حاجة إلى أنه منسوخ بآية القتال.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وفي طياته تهديد خفي بعاقبة الانتظار، بعد أن ينفض الرسول [صلى الله عليه وسلم] يده من أمرهم، ويدعهم لمصيرهم المحتوم.
وتختم السورة على هذا الإيقاع العميق، بعد تلك الجولات والإيحاءات والمشاهد والمؤثرات، وخطاب القلب البشري بشتى الإيقاعات التي تأخذه من كل جانب، وتأخذ عليه كل طريق..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
انتظر أياماً يكون لك فيها النصر، ويكون لهم فيها الخسران مثل سني الجوع إنْ كان حصلت بعد نزول هذه السورة، ومثل يوم بدر ويوم فتح مكة وهما بعد نزول هذه السورة لا محالة، ففي الأمر بالانتظار تعريض بالبشارة للمؤمنين بالنظر، وتعريض بالوعيد للمشركين بالعذاب في الدارين.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
وحرصا على كرامة الرسول الأعظم من سفه السفهاء وجدلهم الفارغ، دعاه الحق سبحانه وتعالى إلى الإعراض عنهم عندما يقوم بتبليغ الرسالة، ماداموا لا يبحثون عن الحق، وإنما يجادلون من أجل الباطل كما دعاه إلى ملازمة الصبر، في انتظار النصر...
فقد بلّغهم رسول الله وأنذرهم، لقد بشّرهم بالجنة لمن آمن، وحذرهم النار لمن كفر فلم يسمعوا. إذن: فما هو إلا الوحي أو حدّ مرهف فالعاقل الوحي يقنعه، والجاهل السيف يردعه.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الآن، حيث لم تؤثّر في هؤلاء البشارة ولا الإنذار، ولا هم أهل منطق واستدلال ليعرفوا الله سبحانه بمشاهدة الآثار الإلهيّة في خفايا الخلقة فيعبدوه، وليس لهم وجدان حيّ يترنّم في أعماقهم بنغمة التوحيد فيسمعونها، فأعرض عنهم، وانتظر رحمة الله سبحانه، ولينتظروا عذابه فإنّهم لا يستحقّون سواه.