{ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ } وهي الأحمال المثقلة{[16322]} التي تَعجزُون عن نقلها وحملها ، { إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ } وذلك في الحج والعمرة والغزو والتجارة ، وما جرى مجرى ذلك ، تستعملونها في أنواع الاستعمال ، من ركوب وتحميل ، كما قال تعالى : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } [ المؤمنون : 21 ، 22 ] ، وقال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُون } [ غافر : 79 ، 81 ] ؛ ؛ ولهذا قال هاهنا بعد تعداد هذه النعم : { إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } أي : ربكم الذي قيَّض لكم هذه الأنعام وسخرها لكم ، كما قال : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } [ يس : 71 ، 72 ] ، وقال : { وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ } [ الزخرف : 12 - 14 ] .
و «الأثقال » الأمتعة ، وقيل المراد هنا الأجسام كقوله { وأخرجت الأرض أثقالها }{[7252]} [ الزلزلة : 2 ] أي أجسام بني آدم .
قال القاضي أبو محمد : واللفظ يحتمل المعنيين ، قال النقاش : ومنه سمي الإنس والجن الثقلين ، وقوله { إلى بلد } أي بلد توجهتم بحسب اختلاف أغراض الناس ، وقال عكرمة وابن عباس والربيع بن أنس : المراد مكة{[7253]} ، وفي الآية على هذا حض على الحج . و «الشق » المشقة ، ومنه قول الشاعر [ النمر بن تولب ] : [ الطويل ]
وذي إبل يسعى ويحسبها له . . . أخي نصب من شقها ودؤوب{[7254]}
أي من مشقتها ، ويقال فيها شق وشق أي مشقة ، وقرأ أبو جعفر القاري وعمرو بن ميمون وابن أرقم ومجاهد والأعرج «بشَق الأنفس » بفتح الشين ، ورويت عن نافع وأبي عمرو ، وذهب الفراء إلى أن معنى { بشق الأنفس } أي بذهاب نصفها ، كأنه قد ذابت نصباً وتعباً ، كما تقول لرجل لا تقدر على كذا إلا بذهاب جل نفسك وبقطعة من كبدك ونحو هذا من المجاز ، وذهبوا في فتح الشين إلى أنه مصدر : شَق يشق ، ثم أوجب رأفة الله ورحمته في هذه النعم التي أذهبت المشقات ورفعت الكلف .
جملة { وتحمل أثقالكم } معطوفة على { ولكم فيها جمال } فهي في موضع الحال أيضاً . والضمير عائد إلى أشهر الأنعام عندهم وهي الإبل ، كقولها في قصّة أم زرع « رَكب شَرياً وأخذَ خطيّاً فأراح علي نعماً ثرياً » ، فإن النعم التي تؤخذ بالرمح هي الإبل لأنها تؤخذ بالغارة .
وضمير { وتحمل } عائد إلى بعض الأنعام بالقرينة . واختيار الفعل المضارع بتكرر ذلك الفعل .
والأثقال : جمع ثَقَل بفتحتين وهو ما يثقل على الناس حمله بأنفسهم .
والمراد ب { بلد } جنس البلد الذي يرتحلون إليه كالشام واليمن بالنسبة إلى أهل الحجاز ، ومنهم أهل مكة في رحلة الصيف والشتاء والرحلة إلى الحجّ .
وقد أفاد { وتحمل أثقالكم } معنى تحملكم وتبلغكم ، بطريقة الكناية القريبة من التصريح . ولذلك عقب بقوله تعالى : { لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس } .
وجملة { لم تكونوا بالغيه } صفة ل { بلد } ، وهي مفيدة معنى البعد ، لأن بلوغ المسافر إلى بلد بمشقّة هو من شأن البلد البعيد ، أي لا تبلغونه بدون الأنعام الحاملة أثقالكم .
والشِّقّ بكسر الشين في قراءة الجمهور : المشقة . والباء للملابسة . والمشقة : التعب الشّديد .
وما بعد أداة الاستثناء مستثنى من أحوال لضمير المخاطبين .
وقرأ أبو جعفر { إلا بشق الأنفس } بفتح الشين وهو لغة في الشِق المكسور الشين .
وقد نفت الجملة أن يكونوا بالغيه إلا بمشقّة ، فأفاد ظاهرها أنهم كانوا يبلغونه بدون الرواحل بمشقّة وليس مقصوداً ، إذ كان الحمل على الأنعام مقارناً للأسفار بالانتقال إلى البلاد البعيدة ، بل المراد : لم تكونوا بالغيه لولا الإبل أو بدون الإبل ، فحذف لقرينة السياق .
وجملة { إن بكم لرؤوف رحيم } تعليل لجملة { والأنعام خلقها } ، أي خلقها لهذه المنافع لأنه رؤوف رحيم بكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.