في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوۡفَ أُخۡرَجُ حَيًّا} (66)

مضى السياق في السورة بقصص زكريا ومولد يحيى ؛ ومريم ومولد عيسى ؛ وإبراهيم واعتزاله لأبيه . ومن خلف بعدهم من المهتدين والضالين ، وبالتعقيب على هذا القصص بإعلان الربوبية الواحدة ، التي تستحق العبادة بلا شريك ؛ وهي الحقيقة الكبيرة التي يبرزها ذلك القصص بأحداثه ومشاهده وتعقيباته . وهذا الدرس الأخير في السورة يمضي في جدل حول عقائد الشرك وحول إنكار البعث . ويعرض في مشاهد القيامة مصائر البشر في مواقف حية حافلة بالحركة والانفعال ، يشارك فيها الكون كله ، سماواته وأرضه ، إنسه وجنه ، مؤمنوه وكافروه .

ويتنقل السياق بمشاهده بين الدنيا والآخرة ، فإذا هما متصلتان . تعرض المقدمة هنا في هذه الأرض ، وتعرض نتيجتها هنالك في العالم الآخر ، فلا تتجاوز المسافة بضع آيات أو بضع كلمات . مما يلقي في الحس أن العالمين متصلان مرتبطان متكاملان .

ويقول الإنسان : أئذا ما مت لسوف أخرج حيا ? أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ? فوربك لنحشرنهم والشياطين ، ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا . ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا . ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا . وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا . ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا .

يبدأ المشهد بذكر ما يقوله " الإنسان " عن البعث . ذلك أن هذه المقولة قالتها صنوف كثيرة من البشر في عصور مختلفة ؛ فكأنما هي شبهة " الإنسان " واعتراضه المتكرر في جميع الأجيال :

( ويقول الإنسان : أئذا ما مت لسوف أخرج حيا ? ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوۡفَ أُخۡرَجُ حَيًّا} (66)

يخبر تعالى عن الإنسان أنه يتعجب ويستبعد إعادته بعد موته ، كما قال تعالى : { وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ الرعد : 5 ] ، وقال : { أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } [ يس : 77 - 79 ] ، وقال هاهنا : { وَيَقُولُ الإنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلا يَذْكُرُ الإنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا } يستدل ، تعالى ، بالبداءة على الإعادة ، يعني أنه ، تعالى [ قد ]{[19012]} خلق الإنسان ولم يك شيئًا ، أفلا يعيده وقد صار شيئًا ، كما قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] ، وفي الصحيح : " يقول الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني ، وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني ، أما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون عليّ من آخره ، وأما أذاه إياي فقوله : إن لي ولدًا ، وأنا الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد{[19013]} ولم يكن له{[19014]} كفوًا أحد " {[19015]} .


[19012]:زيادة من ف، أ.
[19013]:في ت، ف، أ: "ألد ولم أولد".
[19014]:في ف، أ: "لي".
[19015]:صحيح البخاري برقم (4975).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلۡإِنسَٰنُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوۡفَ أُخۡرَجُ حَيًّا} (66)

{ الإنسان } اسم للجنس يراد به الكافر ، وروي أن سبب هذه الآية هو أن رجالاً من قريش كانوا يقولون هذا ونحوه ، وذكر أن القائل هو أبي خلف جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم مرفت فنفخ فيه وقال أيبعث هذا وكذب وسخر ، وقيل إن القائل هو العاصي بن وائل ، وقرأ الأعرج وأبو عمرو «ائذا مامت » بالاستفهام الظاهر ، وقرأت فرقة «إذا » دون ألف استفهام وقد تقدم هذا مستوعباً{[8003]} ، وقرأت فرقة بكسر الميم ، وقرأت فرقة «مُت » بضمها . واللام في قوله { لسوف } مجلوبة على الحكاية لكلام تقدم بهذا المعنى كأن قائلاً قال للكافر إذا مت يا فلان لسوف تخرج حياً فقرر الكافر على الكلام على جهة الاستبعاد وكرر اللام حكاية للقول الأول{[8004]} . وقرأ جمهور الناس «أُخرَج » بضم الهمزة وفتح الراء ، وقرأ الحسن بخلاف وأبو حيوة «أَخرُج » بفتح الهمزة وضم الراء .


[8003]:قرأ الجمهور [أئذا]، وقرأ ابن زكوان وجماعة [إذا] على الخبر، وقد تقرر ذلك في كثير من الآيات، وقد قال أبو حيان في البحر المحيط: "ومن قرأ من القراء على صورة الخبر فلا يريد الخبر حقيقة لأن ذلك يكون تصديقا بما هو موضع الاستفهام والإنكار، لكنه يحزف همزة الاستفهام لدلالة المعنى عليه".
[8004]:نقل أبو حيان الأندلسي هذا الكلام في البحر المحيط، ثم عقب عليه بقوله: "ولا يحتاج إلى هذا التقدير، ولا إلى أن هذا حكاية لقول تقدم، بل هذا من الكافر استفهام فيه معنى الجحد والإنكار، ومن قرأ : {إذا ما مت} تكون الهمزة قد حذفت لدلالة المعنى عليها، وقد يكون إخبارا على سبيل الهزء والسخرية بمن يقول ذلك إذ لم يرد به مطابقة اللفظ للمعنى".