في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَقۡعُدَ مَذۡمُومٗا مَّخۡذُولٗا} (22)

22

( لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا ) .

إنه النهي عن الشرك والتحذير من عاقبته ، والأمر عام ، ولكنه وجه إلى المفرد ليحس كل أحد أنه أمر خاص به ، صادر إلى شخصه . فالاعتقاد مسألة شخصية مسؤول عنها كل فرد بذاته ، والعاقبة التي تنتظر كل فرد يحيد عن التوحيد أن " يقعد " ( مذموما ) بالفعلة الذميمة التي أقدم عليها ، ( مخذولا ) لا ناصر له ، ومن لا ينصره الله فهو مخذول وإن كثر ناصروه . ولفظ ( فتقعد ) يصور هيئة المذموم المخذول وقد حط به الخذلان فقعد ، ويلقي ظل الضعف فالقعود هو أضعف هيئات الإنسان وأكثرها استكانة وعجزا ، وهو يلقي كذلك ظل الاستمرار في حالة النبذ والخذلان ، لأن القعود لا يوحي بالحركة ولا تغير الوضع ، فهو لفظ مقصود في هذا المكان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لَّا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَقۡعُدَ مَذۡمُومٗا مَّخۡذُولٗا} (22)

يقول تعالى : والمراد المكلفون من الأمة ، لا تجعل أيها المكلف في عبادتك ربك له شريكًا { فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا } على إشراكك{[17381]} { مَخْذُولا } لأن الرب تعالى لا ينصرك ، بل يكلك إلى الذي عبدت معه ، وهو لا يملك لك{[17382]} ضرًا ولا نفعًا ؛ لأن مالك الضر والنفع{[17383]} هو الله وحده لا شريك له . وقد قال الإمام أحمد :

حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا بشير بن سلمان ، عن سَيَّار أبي الحكم ، عن طارق بن شهاب ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى ، إما أجَلٌ [ عاجل ]{[17384]} وإما غنى عاجل " .

ورواه أبو داود ، والترمذي من حديث بشير بن سلمان ، به{[17385]} ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب .


[17381]:في ف: "شركك".
[17382]:في ت: "له".
[17383]:في ف: "النفع واالضر".
[17384]:زيادة من ف، أ، والمسند.
[17385]:سنن أبي داود برقم (1645) وسنن الترمذي برقم (2326).
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَّا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَقۡعُدَ مَذۡمُومٗا مَّخۡذُولٗا} (22)

{ لا تجعل مع الله إلها آخر } الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته أو لكل أحد . { فتقعُد } فتصير من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت كأنها حربة ، أو فتعجز من قولهم قعد عن الشيء إذا عجز عنه . { مذموما مخذولا } جامعا على نفسك الذم من الملائكة والمؤمنين والخذلان من الله تعالى ، ومفهومه أن الموحد يكون ممدوحا منصورا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لَّا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَقۡعُدَ مَذۡمُومٗا مَّخۡذُولٗا} (22)

تذييل هو فذلكة لاختلاف أحوال المسلمين والمشركين ، فإن خلاصة أسباب الفوز ترك الشرك لأن ذلك هو مبدأ الإقبال على العمل الصالح فهو أول خطوات السعي لمريد الآخرة ، لأن الشرك قاعدة اختلال التفكير وتضليل العقول ، قال الله تعالى في ذكر آلهة المشركين { وما زادوهم غير تتبيب } [ هود : 101 ] .

والخطاب للنبيء تبعٌ لخطاب قوله : { انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض } [ الإسراء : 21 ] . والمقصود إسماعُ الخطاب غيره بقرينة تحقق أن النبي قائم بنبذ الشرك ومُنْح على الذين يعبدون مع الله إلهاً آخر .

وتقعد } مستعار لمعنى المكث والدوام . أريد بهذه الاستعارة تجريد معنى النهي إلى أنه نهي تعريض بالمشركين لأنهم متلبسون بالذم والخذلان . فإن لم يقلعوا عن الشرك داموا في الذم والخذلان .

والمذموم : المذكور بالسوء والعيب .

والمخذول : الذي أسلمه ناصره .

فأما ذمه فمن ذوي العقول ، إذ أعظم سُخرية أن يتخذ المرء حجراً أو عُوداً رباً له ويعبده ، كما قال إبراهيم عليه السلام { أتعبدون ما تنحتون } [ الصافات : 95 ] ، وذمهُ من اللّهِ على لسان الشرائع .

وأما خذلانه فلأنه اتخذ لنفسه ولياً لا يغني عنه شيئاً { إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم } [ فاطر : 14 ] ، وقال إبراهيم عليه السلام { يا أبت لِمَ تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً } [ مريم : 42 ] ، وخذلانه من الله لأنه لا يتولى من لا يتولّاه قال : { ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم } [ محمّد : 11 ] وقال { وما دعاء الكافرين إلا في ضلال } [ غافر : 50 ] .