في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ} (84)

57

ثم يمضي - بعد الإعراض عنهم وإهمالهم - في تمجيد الخالق وتوحيده بما يليق بربوبيته للسماوات والأرض والعرش العظيم :

( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ، وهو الحكيم العليم . وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما ، وعنده علم الساعة ، وإليه ترجعون . ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ) . .

وهو تقرير الألوهية الواحدة في السماء وفي الأرض ، والتفرد بهذه الصفة لا يشاركه فيها مشارك . مع الحكمة فيما يفعل . والعلم المطلق بهذا الملك العريض .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ} (84)

وقوله : { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ } أي : هو إله من في السماء ، وإله من في الأرض ، يعبده أهلهما ، وكلهم خاضعون له ، أذلاء بين يديه ، { وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ }

وهذه الآية كقوله تعالى : { وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ } [ الأنعام : 3 ] أي : هو المدعو الله في السموات والأرض .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ} (84)

{ وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } مستحق لأن يعبد فيهما ، والظرف متعلق به لأنه بمعنى المعبود أو متضمن معناه كقولك : هو حاتم في البلد ، وكذا فيمن قرأ " الله " والراجع مبتدأ محذوف لطول الصلة بمتعلق الخبر والعطف عليه ، ولا يجوز جعله خبرا له لأنه لا يبقى له عائد لكن لو جعل صلة وقدر الإله مبتدأ محذوف يكون به جملة مبنية للصلة دالة على أن كونه في السماء بمعنى الألوهية دون الاستقرار ، وفيه نفي الآلهة السماوية والأرضية واختصاصه باستحقاق الألوهية . { وهو الحكيم العليم } كالدليل عليه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَآءِ إِلَٰهٞ وَفِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَٰهٞۚ وَهُوَ ٱلۡحَكِيمُ ٱلۡعَلِيمُ} (84)

{ وَهُوَ الذى فِى السمآء إله وَفِى الأرض إله } .

عطف على جملة { قل إن كان للرحمن ولد } [ الزخرف : 81 ] والجملتان اللتان بينهما اعتراضان ، قصد من العطف إفادة نفي الشريك في الإلهية مطلقاً بعد نفي الشريك فيها بالبُنوة ، وقصد بذكر السماء والأرض الإحاطة بعوالم التدبير والخلق لأن المشركين جعلوا لله شركاء في الأرض وهم أصنامهم المنصوبة ، وجعلوا له شركاء في السماء وهم الملائكة إذ جعلوهم بنات لله تعالى فكان قوله : { في السماء إله وفي الأرض إله } إبطالاً للفريقين مما زُعمت إلهيتهم . وكان مقتضى الظاهر بهذه الجملة أن يكون أوَّلها { الذي في السَّماء إله } على أنه وصف للرحمان من قوله : { إن كان للرحمن ولد } [ الزخرف : 81 ] ، فعُدل عن مقتضى الظاهر بإيراد الجملة معطوفة لتكون مستقلة غير صفة ، وبإيراد مبتدأ فيها لإفادة قصر صفة الإلهية في السماء وفي الأرض على الله تعالى لا يشاركه في ذلك غيره ، لأن إيراد المسند إليه معرفة والمسند معرفة طريق من طرق القصر . فالمعنى وهو لا غيره الذي في السماء إله وفي الأرض إله ، وصلة { الذي } جملة اسمية حذف صدرها ، وصَدرُها ضمير يعود إلى معاد ضمير { وهو } وحذْفُ صدر الصلة استعمال حسن إذا طالت الصلة كما هنا . والتقدير : الذي هو في السماء إله .

والمجروران يتعلقان ب { إله } باعتبار ما يتضمنه من معنى المعبود لأنه مشتق من ألَهَ ، إذا عبَد فشابه المشتق . وصح تعلق المجْرور به فتعلقه بلفظ إله كتعلق الظرف بغِربال وأقوى من تعلق المجرور بكانون في قول الحطيئة يهجو أمه من أبيات :

أغِرْبالاً إذا استُودِعْتِ سِرًّا *** وكَانُوناً على المتحدّثينا{[380]}

{ وهو إله وَهُوَ الحكيم العليم } .

بعد أن وصف الله بالتفرد بالإلهية أُتبع بوصفه ب { الحكيم العليم } تدقيقاً للدليل الذي في قوله : { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } ، حيث دل على نفي إلهية غيره في السماء والأرض واختصاصه بالإلهية فيهما لما في صيغة القصر من إثبات الوصف له ونفيه عمن سواه ، فكان قوله : { وهو الحكيم العليم } تتميماً للدليل واستدلالاً عليه ، ولذلك سميناه تدقيقاً إذ التدقيق في الاصطلاح هو ذكر الشيء بدليللِ دليله وأما التحقيق فذكرُ الشيء بدليله لأن الموصوف بتمام الحكمة وكمال العلم مستغن عما سواه فلا يحتاج إلى ولد ولا إلى بنت ولا إلى شريك .


[380]:- الرواية بنصب غربالا وكنونا بتقدير: أتكونين، ويجوز رفعهما بتقدير: أأنت.