وعلى مشهد الإله المزيف يحرق وينسف ، يعلن موسى - عليه السلام - حقيقة العقيدة .
( إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو . وسع كل شيء علما ) .
وينتهي بهذا الإعلان هذا القدر من قصة موسى في هذه السورة . تتجلى فيه رحمة الله ورعايته بحملة دعوته وعباده . حتى عندما يبتلون فيخطئون . ولا يزيد السياق شيئا من مراحل القصة بعد هذا ، لأنه بعد ذلك يقع العذاب على بني إسرائيل بما يرتكبون من آثام وفساد وطغيان . وجو السورة هو جو الرحمة والرعاية بالمختارين . فلا حاجة إلى عرض مشاهد أخرى من القصة في هذا الجو الظليل .
وقوله : { إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ [ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا } يقول لهم موسى ، عليه السلام : ليس هذا إلهكم ، إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ]{[19487]} أي : لا يستحق ذلك على العباد إلا هو ، ولا تنبغي العبادة إلا له ، فإن كل شيء فقير إليه ، عبد لربه .
وقوله : { وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا } نصب على التمييز ، أي : هو عالم بكل شيء ، { أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [ الطلاق : 12 ] ، { وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا } [ الجن : 28 ] ، فلا { يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ } [ سبأ : 3 ] ، { وَمَا{[19488]} تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ الأنعام : 59 ] ، { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ هود : 6 ] والآيات في هذا كثيرة جدًّا .
{ إنما إلهكم } المستحق لعبادتكم . { الله الذي لا إله إلا هو } إذ لا أحد يماثله أو يدانيه في كمال العلم والقدرة . { وسع كل شيء علما } وسع علمه كل ما يصح أن يعلم لا العجل الذي يصاغ ويحرق وإن كان حيا في نفسه كان مثلا في الغباوة وقرئ وسع فيكون انتصاب { علما } على المفعولية لأنه وإن انتصب على التمييز في المشهورة لكنه فاعل في المعنى فلما عدي الفعل بالتضعيف إلى المفعولين صار مفعولا .
هذه مخاطبة من موسى عليه السلام لجميع بني إسرائيل مبيناً لهم ، وقوله تعالى : { وسع كل شيء علماً } بمعنى وسع علمه كل شيء . و { علماً } تمييز ، وهذا كقوله : تفقأت شحماً وتصببت عرقاً ، والمصدر في الأصل فاعل ولكن يسند الفعل إلى غيره وينصب هو على التمييز ، وقرأ مجاهد وقتادة «وسَّع كل شيء » بفتح السين وشدها بمعنى خلق الأشياء وكثرها بالاختراع فوسعها موجودات .
هذه الجملة من حكاية كلام موسى عليه السلام فموقعها موقع التذييل لوعظه ، وقد التفت من خطاب السامري إلى خطاب الأمّة إعراضاً عن خطابه تحقيراً له ، وقصداً لتنبيههم على خطئهم ، وتعليمهم صفات الإله الحق ، واقتصر منها على الوحدانية وعموم العلم لأن الوحدانية تجمع جميع الصفات ، كما قرر في دلالة كلمة التوحيد عليها في كتب علم الكلام .
وأما عموم العلم فهو إشارة إلى علم الله تعالى بجميع الكائنات الشاملة لأعمالهم ليرقبوه في خاصتهم .
واستعير فعل { وَسِعَ } لمعنى الإحاطة التامة ، لأن الإناء الواسع يحيط بأكثر أشياء مما هو دونه .
وانتصب { عِلْماً } على أنه تمييز نسبة السعةِ إلى الله تعالى ، فيؤول المعنى : وسع علمه كل شيء بحيث لا يضيق علمه عن شيء ، أي لا يقصر عن الاطلاع على أخفى الأشياء ، كما أفاده لفظ ( كل ) المفيد للعموم . وتقدم قريب منه عند قوله { وسع كرسيه السموات والأرض } في سورة البقرة ( 255 ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.