في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ} (15)

كلا ! إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون . ثم إنهم لصالو الجحيم . ثم يقال : هذا الذي كنتم به تكذبون . .

لقد حجبت قلوبهم المعاصي والآثام ، حجبتها عن الإحساس بربها في الدنيا . وطمستها حتى أظلمت وعميت في الحياة . . فالنهاية الطبيعية والجزاء الوفاق في الآخرة أن يحرموا النظر إلى وجه الله الكريم ، وأن يحال بينهم وبين هذه السعادة الكبرى ، التي لا تتاح إلا لمن شفت روحه ورقت وصفت واستحقت أن تكشف الحجب بينها وبين ربها . ممن قال فيهم في سورة القيامة :

( وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة ) . .

وهذا الحجاب عن ربهم ، عذاب فوق كل عذاب ، وحرمان فوق كل حرمان . ونهاية بائسة لإنسان يستمد إنسانيته من مصدر واحد هو اتصاله بروح ربه الكريم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ} (15)

وقوله : { كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } أي : لهم يوم القيامة مَنزلٌ ونزل سجين ، ثم هم يوم القيامة مع{[29852]} ذلك محجوبون عن رؤية ربهم وخالقهم .

قال الإمام أبو عبد الله الشافعي : [ في ]{[29853]} هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ{[29854]} .

وهذا الذي قاله الإمام الشافعي ، رحمه الله ، في غاية الحسن ، وهو استدلال بمفهوم هذه الآية ، كما دل عليه منطوق قوله : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 22 ، 23 ] . وكما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح{[29855]} المتواترة في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل في الدار الآخرة ، رؤية بالأبصار في عَرَصات القيامة ، وفي روضات الجنان الفاخرة .

وقد قال ابن جرير [ محمد بن عمار الرازي ]{[29856]} : حدثنا أبو معمر المنْقَريّ ، حدثنا عبد الوارث ابن سعيد ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن في قوله : { كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } قال : يكشف الحجاب ، فينظر إليه المؤمنون والكافرون ، ثم يحجب عنه الكافرون وينظر إليه المؤمنون . كُلّ يوم غدوة وعشية - أو كلاما هذا معناه .


[29852]:- (2) في م: "بعد".
[29853]:- (3) زيادة من م، أ.
[29854]:- (4) رواه البيهقي في مناقب الشافعي (1/419).
[29855]:- (5) في م: "الصحيحة".ر
[29856]:- (6) زيادة من م، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ} (15)

كلا ردع عن الكسب الرائن إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فلا يرونه بخلاف المؤمنين ومن أنكر الرؤية جعله تمثيلا لإهانتهم من يمنع عن الدخول على الملوك أو قدر مضافا مثل رحمة ربهم أو قرب ربهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ} (15)

و { كلا } في قوله تعالى : { كلا إنهم على ربهم } يصلح فيها الوجهان اللذان تقدم ذكرهما ، والضمير في قوله : { إنهم عن ربهم } هو للكفار ، قال بالرؤية وهو قوله أهل السنة ، قال إن هؤلاء لا يرون ربهم فهم محجوبون عنه ، واحتج بهذه الآية مالك بن أنس عن مسألة الرؤية من جهة دليل الخطاب وإلا فلو حجب الكل لما أغنى هذا التخصص ، وقال الشافعي : لما حجب قوم بالسخط دل على أن قوماً يرونه بالرضى ، ومن قال بأن لا رؤية وهو قول المعتزلة ، قال في هذه الآية : إنهم محجوبون عن رحمة ربهم وغفرانه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ} (15)

{ كلاّ }

و { كلاّ } الثانية تأكيد ل { كلا } الأولى زيادة في الردع ليصير توبيخاً .

{ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } .

جملة : { إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون } وما عطف عليها ابتدائية وقد اشتملت الجملة ومعطوفاها على أنواع ثلاثة من الويل وهي الإهانة ، والعذاب ، والتقريع مع التأييس من الخلاص من العذاب .

فأما الإهانة فحجْبُهم عن ربهم ، والحجب هو الستر ، ويستعمل في المنع من الحضور لدى الملك ولدى سيد القوم ، قال الشاعر الذي لم يسمّ وهو من شواهد « الكشاف »

إذا اعتروا باب ذي عُبِّيَّه رجِبوا *** والناسُ من بين مَرجوب ومَحْجوب

وكلا المعنيين مراد هنا لأن المكذبين بيوم الدين لا يرون الله يوم القيامة حين يراه أهل الإيمان .

ويوضح هذا المعنى قوله في حكاية أحوال الأبرار : { على الأرائك ينظرون } [ المطففين : 23 ] وكذلك أيضاً لا يدخلون حضرة القدس قال تعالى : { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء } [ الأعراف : 40 ] ، وليكون الكلام مفيداً للمعنيين قيل : « عن ربهم لمحجوبون » دون أن يقال : عن رؤية ربهم ، أو عن وجه ربهم كما قال في آية آل عمران ( 77 ) : { ولا ينظر إليهم يوم القيامة } .