قوله تعالى «{ كَلاَّ إِنَّهُمْ } .
قال الزمخشريُّ{[59592]} : «كلاَّ » ردع عن الكسب الرَّائن على قلوبهم .
وقال القفالُ{[59593]} : إنَّ الله - تعالى - حكى في سائر السور عن هذا المعتدي الأثيم ، أنه كان يقول : إن كانت الآخرة حقًّا ، فإن الله - تعالى - يعطيه مالاً وولداً ، ثم كذَّبه الله - تعالى - بقوله : { أَطَّلَعَ الغيب أَمِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْداً } [ مريم : 78 ] .
وقال أيضاً : { وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً } [ الكهف : 36 ] { وَلَئِن رُّجِّعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى } [ فصلت : 50 ] ، فلمَّا تكرَّر ذكره في القرآن ، ترك الله ذكره - هاهنا - وقال تعالى : { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } أي : ليس الأمر كما يقولون من أن لهم في الآخرة الحسنى ، بل هم عن ربهم يومئذ لمحجوبون . وقال ابن عباس أيضاً : «كلاَّ » يريد لا يصدقون ثم أستأنف فقال : { إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ }{[59594]} وقيل : قوله تعالى : «كلاّ »َ تكرير ، وتكون «كلاَّ » هذه المذكورة في قوله : «كلا » ، بل ران على قلوبهم .
قوله : { عَن رَّبِّهِمْ } . متعلق بالخبر ، وكذلك «يومئذ » ، والتنوين عوض عن جملة ، تقديرها : «يوم إذْ يقوم الناس » ؛ لأنه لم يناسب إلا تقديرها .
فصل في حجب الكفار عن رؤية ربهم
قال أكثر المفسرين : محجوبون عن رؤيته ، وهذا يدل على أن المؤمنين يرون ربهم - سبحانه وتعالى - ولولا ذلك لم يكن للتخصيص فائدة .
وأيضاً فإنه - تعالى - ذكر هذا الحجاب في معرض الوعيد ، والتهديد للكفار ، وما يكون وعيداً وتهديداً للكفَّار لا يجوز حصوله للمؤمنين ، وأجاب المعتزلة عن هذا بوجوه :
أحدها : قال الجبائي{[59595]} : المراد أنهم محجوبون عن رحمة ربهم أي : ممنوعون كما تحجب الأم بالإخوة من الثُّلث إلى السُّدس ، ومن ذلك يقال لمن منع من الدخول : حاجب .
وثانيها : قال أبو مسلم : «لمحجوبون » غير مقربِّين ، والحجاب : الرَّدُ ، وهو ضد القبول ، فالمعنى : أنهم غير مقبولين عند الرؤية ، فإنه يقال : حُجِبَ عن الأمير ، وإن كان قد رآه عن بعدٍ ، بل يجب أن يحمل على المنع من رحمته .
وثالثها{[59596]} : قال الزمخشريُّ{[59597]} : كونهم محجوبين عنه تمثيل للاستخفاف بهم وإهانتهم ؛ لأنه لا يرد على الملوك إلا المكرَّمين لديهم ، ولا يُحجب عنهم إلا المبانون عنهم .
والجواب : أن الحجب في استعمالاته مشترك في المنع ، فيكون حقيقة فيه ، ومنع العبد بالنسبة إلى الله تعالى ، إمَّا عن العلم ، وإمَّا عن الرؤية ، والأول : باطل ؛ لأن الكفَّار يعلمون الله تعالى ، فوجب حمله على الرؤية .
وأمَّا الوجوه المذكورة فهو عدول عن الظاهر من غير دليل ، ويؤيد ما قلنا : أقوال السَّلف من المفسرين :
قال مقاتلٌ : بل لا يرون ربَّهم بعد الحساب ، والمؤمنون يرون ربهم .
وقال الكلبيُّ : محجوبون عن رؤية ربهم والمؤمن لا يحجبُ{[59598]} ، وسُئلَ مالكُ بنُ أنسٍ - رضي الله عنه - عن هذه الآية ، فقال : كما حجب الله تعالى أعداءه فلم يروهُ ، ولا بد أن يتجلَّى لأوليائه حتى يروه .
وعن الشَّافعيُّ - رحمه الله - كما حجب قومٌ بالسُّخطِ دلَّ على أنهم يرونهُ بالرضا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.