الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ} (15)

- ثم قال تعالى : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) .

- " كلا " عند أبي حاتم بمعنى " ألا " . ولا يوقف عليها {[74398]} .

ويوقف عليها عند غيره ، على معنى : ليس الأمر كما يقول هؤلاء المكذبون بيوم الدين : إن لهم عند الله زلفة يوم القيامة لكنهم عن ربهم يومئذ {[74399]} لمحجوبون فلا يرونه ولا يرون شيئا من كرامته {[74400]} .

وقول أبي حاتم أبين في [ هذا الموضع ] {[74401]} من {[74402]} " كلا " لأن هذا {[74403]} التقدير ليس هو في ظاهر لكلام ، ولا في الكلام ما يدل عليه . ففيه تعسف . [ ودل الله المؤمنين {[74404]} ، بهذه الآية {[74405]} ، أنهم لا يحجبون عن ربهم وعن النظر إليه .

قال مالك رحمه الله : في هذا دليل على أن ثم قوم لا يحجبون عن الله وينظرون إليه/ {[74406]} .

وبه استدل الشافي على النظر إلى الله عز وجل يوم القيامة {[74407]} . وقد قدره منكرو {[74408]} النظر إلى الله على معنى أنهم عن كرامة ربهم لمحجوبون {[74409]} .

وهذا لا يجوز عند أحد من النحويين ، ولو جاز هذا لجاز : " جاءني زيد " ، تريد {[74410]} غلام زيد أو كرامة زيد {[74411]} .

وفي جواز هذا نقض كلام العرب كله . ولا يجوز إخراج الكلام عن {[74412]} ظاهره إلا لضرورة {[74413]} تدعو إلى ذلك {[74414]} مع امتناع {[74415]} جوازه على ظاهره ، فإذا امتنع جواز الكلام على ظاهره ، جاز الإضمار الذي يسوغ معه جواز الكلام . ولا ضرورة تدعو إلى إضمار هنا على مذهب أهل السنة .

قال الحسن : يكشف ( الحجاب ) {[74416]} فينظر إليه المؤمنون دون الكافرين ، ثم يحجب الكافرون {[74417]} ، وينظر إليه المؤمنون {[74418]} كل يوم غدوة وعشية {[74419]} .


[74398]:انظر: القطع: 768. واستحسنه مكي في "شرح كلا": 56.
[74399]:أ: يومئذ عن ربهم.
[74400]:هذا هو مذهب الطبري في "كلا" في جامع البيان 30/100 ولم يستحسنه مكي في "شرح كلا": 56 لمخالفته للقاعدة وهي نفي ما قرب منها قبلها. أي غلبة الذنوب على قلوبهم، وهذا لا يصح نفيه.
[74401]:م، ث: هذه المواضع.
[74402]:أ: في.
[74403]:ث: هذه.
[74404]:ث: المومنون.
[74405]:ث: الآيات.
[74406]:انظر: المحرر 16/254 وزاد المسير 9/56 وتفسير القرطبي 19/261.
[74407]:انظر: طبقات الشافعية 1/231 وفيه عن الربيع بن سليمان قال: "كنت ذات يوم عند الشافعي، وجاءه كتاب من الصعيد يسألونه عن قوله عز وجل: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) فكتب: "لما حجب قوماً بالسخط دل على أن قوماً يرونه بالرضا" قلت له: أو تدين بهذا يا سيدي؟ فقال: والله لو لم يوقف محمد بن إدريس أنه يرى ربه في المعاد لما عبده في الدنيا". وانظر: تفسير ابن كثير: 4/518.
[74408]:أ: منكر.
[74409]:حكاه الزمخشري في الكشاف: 4/232 عن طاوس، والقرطبي في تفسيره: 19/261 عن مجاهد وقريب منه ما حكاه الزمخشري أيضاً عن ابن عباس وقتادة وابن أبي مليكة أن معناه: "محجوبون عن رحمته". ولعل كل هذا لم يثبت عند مكي من طرق صحيحة. وكيفما كان الحال، فإن المقصود عنده بمنكري النظر هم المعتزلة وانظر: ما قالهُ القاضي في متشابه القرآن: 2/683 والرضي في التلخيص: 273. وقد ذهب الطبري في هذه الآية مذهباً خاصاً فقال: "إن الله تعالى ذكره أخبار عن هؤلاء القوم أنهم عن رؤيته محجوبون، ويحتمل أن يكون مراداً به الحجاب عن كرامته، وأن يكون مراداً به الحجاب عن ذلك كله، ولا دلالة في الآية تدل على أنه مراد بذلك الحجاب عن معنى منه دون معنى، ولا خبر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت حجته" جامع البيان 30/100-101.
[74410]:أ: يريد.
[74411]:أ: كرامته. وانظر: إعراب النحاس 5/179.
[74412]:أ: على.
[74413]:أ: الضرورة.
[74414]:أ: تدعو إليه.
[74415]:ث: اشناع.
[74416]:ساقط من أ.
[74417]:أ: يحجب عن الكافرين، ث: يحجب الكافرين.
[74418]:ث: المومنين.
[74419]:انظر: جامع البيان 30/100 وتفسير ابن كثير 4/518-519.