الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ} (15)

والضميرُ في قوله تعالى : { إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ } للكفارِ أي : هم محجوبونَ لا يَرَوْنَ ربَّهم ، قال الشافعي : لما حَجَبَ اللَّهُ قوماً بالسَّخْطِ دَلَّ عَلى أن قوماً يرَوْنَهُ بالرِّضَى ، قال المحاسبي رحمه اللَّه في كتابِ «توبيخ النفس » : وينبغِي للعبدِ المؤمنِ إذا رأى القسوةَ من قلبه أن يعلم أنها من الرّينِ في قلبه فيخافُ أن يكونَ اللَّهُ تعالى لمَّا حَجَبَ قلبَه عنه بالرّينِ والقسوةِ أنْ يحجبَه غَداً عن النظرِ إليه ؛ قال تعالى : { كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } إحداهُما تتلو الأخرى ؛ ليس بينهما معنًى ثالثٌ ، فإنْ اعترضَ للمريدِ خَاطِرٌ من الشيطانِ ليقْتَطِعَه عن الخوفِ من اللَّه تعالى ، حتى تحلَّ بهِ هاتانِ العقوبتانِ فَقَال إنما نَزَلَتَا في الكافرينَ ؛ فليقلْ فإنَّ اللَّهَ لم يؤَمِّنْ منهما كثيراً مِنَ المؤمنينَ ، وقد حذَّر سبحانَه المؤمنينَ أن يُعَاقِبَهُم بما يُعَاقِبُ به الكافرين ؛ فقال تعالى : { واتقوا النار التي أُعِدَّتْ للكافرين } [ آل عمران : 131 ] إلى غير ذلكَ من الآيات ، انتهى .