لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{كَلَّآ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ يَوۡمَئِذٖ لَّمَحۡجُوبُونَ} (15)

{ كلا } قال ابن عباس يريد لا يصدقون وقيل معناه ليس الأمر كما يقولون إن لهم في الآخرة خيراً ثم استأنف فقال تعالى : { إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } قيل عن كرامته ورحمته ممنوعون ، وقيل إن الله لا ينظر إليهم ولا يزكيهم وهذا التّفسير فيه ضعف أما حمله على منع الكرامة والرّحمة فهو عدول عن الظّاهر بغير دليل ، وكذا الوجه الثاني فإن من حجب عن الله فإن الله لا ينظر إليه نظر رحمة ، ولا يزكيه والذي ذهب إليه أكثر المفسرين أنهم محجوبون عن رؤية الله ، وهذا هو الصّحيح واحتج بهذه الآية من أثبت الرّؤية للمؤمنين قالوا : لولا ذلك لم يكن للتّخصيص فائدة ، ووجه آخر وهو أنه تعالى ذكر الحجاب في معرض الوعيد والتّهديد للكفار ، وما يكون وعيداً وتهديداً للكفار لا يجوز حصوله في حق المؤمنين ، فوجب أن لا يحصل هذا الحجاب في حق المؤمنين قال الحسن : لو علم الزّاهدون والعابدون أنهم لا يرون ربهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدّنيا .

وقيل كما حجبهم في الدّنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته وسئل مالك عن هذه الآية ، فقال : لما حجب الله أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه ، وقال الشافعي في قوله { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } دلالة على أن أولياء الله يرون الله جلّ جلاله وعنه كما حجب قوماً بالسّخط دل على أن قوماً يرونه بالرضا ، ثم أخبر أن الكفار مع كونهم محجوبون عن الله يدخلون النّار .