يقول تعالى مخبرًا عن السحرة حين توافقوا هم وموسى ، عليه السلام ، أنهم قالوا لموسى : { إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ } أي : أنت أولا { إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى قَالَ بَلْ أَلْقُوا } أي : أنتم أولا ليُرى ماذا تصنعون من السحر ، وليظهر للناس جلية أمرهم ، { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } . وفي الآية الأخرى أنهم لما ألقوا { وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ } [ الشعراء : 44 ] وقال تعالى : { سَحَرُوا{[19417]} أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ } [ الأعراف : 116 ] ، وقال هاهنا { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } .
وذلك أنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتميد ، بحيث يخيل للناظر{[19418]} أنها تسعى باختيارها ، وإنما كانت حيلة ، وكانوا جمًّا غفيرًا وجمعًا كبيرًا{[19419]} فألقى كل منهم عصا وحبلا حتى صار الوادي ملآن حيات يركب بعضها بعضًا .
{ قال بل ألقوا } مقابلة أدب بأدب وعدم مبالاة بسحرهم ، وإسعافا إلى ما أو هموا من الميل إلى البدء بذكر الأول في شقهم وتغيير النظم إلى وجه أبلغ ، ولأن يبرزوا ما معهم ويستنفذوا أقصى وسعهم ثم يظهر الله سلطانه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه . { فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى } أي فألقوا فإذا حبالهم وعصيهم ، وهي للمفاجأة والتحقيق أنها أيضا ظرفية تستدعي متعلقا ينصبها وجملة تضاف إليها لكنها خصت بأن يكون المتعلق فعل المفاجأة والجملة ابتدائية والمعنى : فألقوا ففاجأ موسى عليه الصلاة والسلام وقت تخييل سعي حبالهم وعصيهم من سحرهم ، وذلك بأنهم لطخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمس اضطربت فخيل إليها أنها تتحرك . وقرأ ابن عامر برواية ابن ذكوان وروح " تخيل " بالتاء على إسناده إلى ضمير الحبال ، والعصي وإبدال أنها { تسعى } منه بدل الاشتمال ، وقرئ { يخيل } بالياء على إسناده إلى الله تعالى ، وتخيل بمعنى " تخيل " .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"قالَ بَلْ ألْقُوا" يقول تعالى ذكره: قال موسى للسحرة: بل ألقوا أنتم ما معكم قبلي.
وقوله: "فإذَا حِبالُهُمْ وَعصِيّهُمْ يُخَيّلُ إلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أنّهَا تَسْعَى"، وفي هذا الكلام متروك، وهو: فألقوا ما معهم من الحبال والعصيّ، فإذا حبالهم..، ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام الذي ذكر عليه عنه...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
ومعناه شبّه إليه من سحرهم حتى ظنّ {أَنَّهَا تَسْعَى} أي تمشي...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
قال لهم موسى بل ألقوا أنتم، وليس ذلك إذْناً لهم في السحر، ولكن أراد الحقُّ إظهارَ تمويههم.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وعلم موسى صلوات الله عليه اختيار إلقائهم أولاً، مع ما فيه من مقابلة أدب بأدب، حتى يبرزوا ما معهم من مكايد السحر، ويستنفدوا أقصى طوقهم ومجهودهم، فإذا فعلوا: أظهر الله سلطانه وقذف بالحق على الباطل فدمغه، وسلط المعجزة على السحر فمحقته، وكانت آية نيرة للناظرين، وعبرة بينة للمعتبرين. يقال في {إِذَا} هذه: إذا المفاجأة... فتقدير قوله تعالى: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ}: ففاجأ موسى وقت تخييل سعي حبالهم وعصيهم. وهذا تمثيل. والمعنى: على مفاجأته حبالهم وعصيهم مخيلة إليه السعي...
{يخيل إليه} كناية عن موسى عليه السلام، والمراد أنهم بلغوا في سحرهم المبلغ الذي صار يخيل إلى موسى عليه السلام أنها تسعى كسعي ما يكون حيا من الحيات لا أنها كانت حية في الحقيقة...
فأما ما روي أنهم سحروا أعين الناس وعين موسى عليه السلام حتى تخيل ذلك مستدلا بقوله تعالى: {فلما ألقوا سحروا أعين الناس} وبقوله تعالى: {يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} فهذا غير جائز لأن ذلك الوقت وقت إظهار المعجزة والأدلة وإزالة الشبهة فلو صار بحيث لا يميز الموجود عن الخيال الفاسد لم يتمكن من إظهار المعجزة فحينئذ يفسد المقصود، فإذن المراد أنه شاهد شيئا لولا علمه بأنه لا حقيقة لذلك الشيء لظن فيها أنها تسعى.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{قال} أي موسى... لأنه فهم أن مرادهم الابتداء، وليكون هو الآخر فيكون العاقبة بتسليط معجزته على سحرهم فلا يكون بعدها شك: لا ألقي أنا أولاً {بل ألقوا} أنتم أولاً، فانتهزوا الفرصة، لأن ذلك كان مرادهم بما أفهموه من تعبير السياق والتصريح بالأول، فألقوا {فإذا حبالهم وعصيهم} التي ألقوها {يخيل إليه} وهو صفينا تخييلاً مبتدئاً {من سحرهم} الذي كانوا قد فاقوا به أهل الأرض {أنها} لشدة اضطرابها {تسعى} سعياً، وإذا كان هذا حاله مع أنه أثبت الناس بصراً وأنفذهم بصيرة فما ظنك بغيره!
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فقبل التحدي، وترك لهم فرصة البدء، واستبقى لنفسه الكلمة الأخيرة.. ولكن ماذا؟ إنه لسحر عظيم فيما يبدو، وحركة مفاجئة ماجت بها الساحة حتى موسى: (فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى).
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
ولقد كان ذلك التخيل مفاجأة لموسى، ولذا عبر ب (إذا) التي للمفاجأة، والمفاجأة ما كانت في تحول العصي إلى حيات، إنما كانت المفاجأة التي خيل إليه من سحرهم أنها تسعى.
نعود إلى سحرة فرعون؛ أيا كان سحرهم أمن نوع الألاعيب وخفة الحركة وخداع الناظرين؟ أم من نوع السحر الذي علمته الشياطين من زمن سليمان عليه السلام فهو سحر لن يقف أمام معجزة باهرة جاءت على يد موسى لإثبات صدقه.
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري 1439 هـ :
من الهداية: -معية الله تعالى لموسى وهارون تجلت في تصرفات موسى إذ الإذن لهم بالإلقاء أولاً من الحكمة وذلك أن الذي يبقى في نفوس المتفرجين والنظارة هو المشهد الأخير والكلمة الأخيرة التي تقال.. لاسيما في موقف كهذا.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
على كلّ حال، فإنّ المشهد كان عجيباً جدّاً، فإنّ السّحرة الذين كان عددهم كبيراً، وتمرسهم وإطلاعهم في هذا الفن عميقاً، وكانوا يعرفون جيداً طريقة الاستفادة من خواص هذه الأجسام الفيزيائية والكيميائية الخفيّة، استطاعوا أن ينفذوا إلى أفكار الحاضرين ليصدّقوا أنّ كلّ هذه الأشياء الميتة قد ولجتها الروح.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.