إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ بَلۡ أَلۡقُواْۖ فَإِذَا حِبَالُهُمۡ وَعِصِيُّهُمۡ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ} (66)

{ قَالَ } استئنافٌ كما سلف ناشئ من حكاية تخييرِ السحرةِ إياه عليه الصلاة والسلام ، كأنه قيل : فماذا قال عليه الصلاة والسلام ؟ فقيل : قال : { بَلْ أَلْقُواْ } أنتم أولاً مقابلةً للأدب بأحسنَ مِنْ أدبهم حيث بتّ القولَ بإلقائهم أولاً ، وإظهاراً لعدم المبالاةِ بسحرهم ومساعدةً لما أوهموا من الميل إلى البدء وليبُرِزوا ما معهم ويستفرغوا أقصى جُهدِهم ويستنفدوا قُصارى وُسعِهم ، ثم يظهر الله عز وجل سلطانَه فيقذف بالحق على الباطل فيدمغه لمّا علم أن ما سيظهر بيده سيلقَف ما يصنعون من مكايد السحر .

{ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى } الفاءُ فصيحة معربة عن مسارعتهم إلى الإلقاء كما في قوله تعالى : { أَنِ اضرب بّعَصَاكَ البحر فانفلق } أي فألقَوا فإذا حبالُهم وهي للمفاجأة والتحقيقُ أنها أيضاً ظرفيةٌ تستدعي متعلَّقاً ينصِبها وجملةً تضاف إليها ، ولكنها خُصت بكون متعلَّقِها فعلَ المفاجأة والجملةُ ابتدائيةٌ ، والمعنى فألقَوا ففاجأ موسى عليه الصلاة والسلام وقت أن يُخيَّل إليه سعيُ حبالِهم وعِصِيِّهم من سحرهم وذلك أنهم كانوا لطّخوها بالزئبق فلما ضربت عليها الشمسُ اضطربت واهتزت فخُيل إليه أنها تتحرك ، وقرئ تُخيِّل بالتاء على إسناده إلى ضمير الحبال والعِصِيّ وإبدالِ ( أنها تسعى ) منه بدلَ اشتمالٍ ، وقرئ يُخيِّل بإسناده إليه تعالى ، وقرئ تَخَيَّل بحذف إحدى التاءين من تتخيل .