السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ بَلۡ أَلۡقُواْۖ فَإِذَا حِبَالُهُمۡ وَعِصِيُّهُمۡ يُخَيَّلُ إِلَيۡهِ مِن سِحۡرِهِمۡ أَنَّهَا تَسۡعَىٰ} (66)

{ قال } لهم موسى عليه السلام مقابلاً لأدبهم بأحسن منه ، ولأنه فهم أن مرادهم الابتداء ، وليكون هو الآخر ، فتكون له العاقبة بتسليط معجزته على سحرهم ، فلا يكون بعدها شك لا ألقي أنا أولاً { بل ألقوا } أنتم أولاً ، فانتهزوا الفرصة ؛ لأن ذلك كان مرادهم بما أفهموه من تغيير السياق والتصريح بالأول ، فألقوا ما معهم من الحبال والعصي { فإذا حبالهم وعصيّهم } أي : التي ألقوها قد فاجأت أنه { يخيل إليه } تخييلاً مبتدأً { من سحرهم } أي : الذي قد فاقوا به أهل الأرض { أنها } لشدة اضطرابها { تسعى } فإن قيل : كيف يجوز أن يقول موسى : { بل ألقوا } فيأمرهم بما هو سحر أجيب : بأن ذلك الأمر كان مشروطاً ، والتقدير : ألقوا ما أنتم ملقون إن كنتم محقين ؛ كما في قوله تعالى : { فأتوا بسورة من مثله } [ البقرة ، 23 ] ، أي : إن كنتم صادقين ، وفي القصة أنهم لما ألقوا الحبال والعصي أخذوا أعين الناس ، فرأى موسى والقوم كأن الأرض امتلأت حيات ، وكانت قد أخذت ميلاً من كل جانب ، ورأوا أنها تسعى ، وقيل : لطخوها بالزئبق ، فلما وقعت عليها الشمس اضطربت ، فخيل إليهم أنها تتحرك ، وقرأ ابن ذكوان تخيل بالتاء الفوقية على التأنيث ، والباقون بالياء على إسناده إلى ضمير الحبال .