في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

واللمسة الثالثة تشير إلى الحق الأصيل الكامن في طبيعة الوجود ، الذي تقوم به السماوات والأرض ، كما تشير إلى صنعة الله المبدعة في كيان المخلوق الإنساني . وتقرر رجعة الجميع إليه في نهاية المطاف :

( خلق السماوات والأرض بالحق ، وصوركم فأحسن صوركم ، وإليه المصير ) . .

وصدر هذا النص : ( خلق السماوات والأرض بالحق ) . . يقر في شعور المؤمن أن الحق أصيل في كيان هذا الكون ، ليس عارضا وليس نافلة ؛ فبناء الكون قام على هذا الأساس . والذي يقرر هذه الحقيقة هو الله الذي خلق السماوات والأرض ، والذي يعلم على أي أساس قامتا . واستقرار هذه الحقيقة في الحس يمنحه الطمأنينة والثقة في الحق الذي يقوم عليه دينه ، ويقوم عليه الوجود من حوله ؛ فهو لا بد ظاهر ، ولا بد باق ، ولا بد مستقر في النهاية بعد زبد الباطل !

والحقيقة الثانية : ( وصوركم فأحسن صوركم ) . . تشعر الإنسان بكرامته على الله ، وبفضل الله عليه في تحسين صورته : صورته الخلقية وصورته الشعورية . فالإنسان هو أكمل الأحياء في الأرض من ناحية تكوينه الجثماني ؛ كما أنه أرقاها من ناحية تكوينه الشعوري واستعداداته الروحية ذات الأسرار العجيبة . ومن ثم وكلت إليه خلافة الأرض ، وأقيم في هذا الملك العريض بالقياس إليه !

ونظرة فاحصة إلى الهندسة العامة لتركيب الإنسان ، أو إلى أي جهاز من أجهزته ، تثبت تلك الحقيقة وتجسمها : ( وصوركم فأحسن صوركم ) . . وهي هندسة يجتمع فيها الجمال إلى الكمال . ويتفاوت الجمال بين شكل وشكل . ولكن التصميم في ذاته جميل وكامل الصنعة ، وواف بكل الوظائف والخصائص التي يتفوق بها الإنسان في الأرض على سائر الأحياء .

( وإليه المصير ) . . مصير كل شيء وكل أمر وكل خلق . . مصير هذا الكون ومصير هذا الإنسان . فمن إرادته انبثق ، وإليه - سبحانه - يعود . ومنه المنشأ وإليه المصير . وهو الأول والآخر . المحيط بكل شيء من طرفيه : مبدئه ونهايته . وهو - سبحانه - غير محدود !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

ثم قال : { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ } أي : بالعدل والحكمة ، { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } أي : أحسن أشكالكم ، كقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ } [ الانفطار : 6 - 8 ]

وكقوله : { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } الآية [ غافر : 64 ] وقوله : { وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } أي : المرجع والمآب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

خلق السموات والأرض بالحق بالحكمة البالغة وصوركم فأحسن صوركم فصوركم من جملة ما خلق فيهما بأحسن صورة حيث زينكم بصفوة أوصاف الكائنات وخصكم بخلاصة خصائص وجعلكم المبدعات أنموذج جميع المخلوقات وإليه المصير فأحسنوا سرائركم حتى لا يمسخ بالعذاب ظواهركم .