نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

ولما ذكر المظروف ذكر ظرفه دالاً على تمام إحاطته بالبواطن ، والظواهر بأنه يخلق الشيء العظيم جداً{[65693]} فيأتي على وفق الإرادة ثم لا يحتاج إلى أن يزاد فيه ولا أن ينقص منه فقال : { خلق السماوات } التي هي السقف لبيت عبيد الملك على كبرها وعلوها كما ترون { والأرض } التي هي قرار بيتهم ومهاده على سعتها وما فيها من المرافق والمعاون { بالحق } أي بالأمر الذي يطابقه الواقع فلا زائداً عنه ولا ناقصاً بل جاء الواقع منها{[65694]} مطابقاً لما أراد سواء {[65695]}لا كما يريد أحدنا الشيء فإذا{[65696]} {[65697]}أوجده لم يكن على وفق مراده سواء{[65698]} ، وبسبب إظهار الأمر الثابت وإبطال الباطل فهو خالق المسكنين : الدنيوي والأخروي ، خلافاً لمن لا يقول بذلك من صابىء وفلسفي وغيرهم .

ولما كان أهل الطبائع يقولون : إن الأفلاك لها تأثير بحسب الذات والطبع ، قال نافياً لذلك مذكراً بنعمته لتشكر : { وصوركم } أي أيها المخاطبون على صور لا توافق{[65699]} شيئاً من صور العلويات ولا السفليات ولا فيها {[65700]}صورة توافق{[65701]} الأخرى من كل وجه { فأحسن صوركم } فجعلها أحسن صور الحيوانات كلها كما هو مشاهد في الدنيا وكذا في الآخرة خلافاً لأهل التناسخ مع أن وضعها في نفسها أحسن الأوضاع ، لو غير شيء منها عن مكانه{[65702]} إلى شيء مما نعلمه فحصلت البشاعة{[65703]} به مع تفضيل الآدمي بتزيينه بصفوة أوصاف الكائنات وجعل سبحانه أعضاء متصرفة بكل ما يتصرف به أعضاء سائر الحيوان مع زيادات اختص بها الآدمي إلى حسن{[65704]} الوجه وجمال الجوارح ، فهو أحسن بالنسبة إلى النوع من حيث هو هو ، وبالنسبة إلى الأفراد في نفس الأمر وإن كان بعضها أحسن من بعض ، فقبح القبيح منه إنما هو بالنسبة إلى أحسن منه ، ولذا قال الحكماء ، شيئان لا غاية لهما{[65705]} : الجمال والبيان ، فخلق الانسان في أحسن تقويم لا ينفي أن يكون للنوع الذي جعل أحسن أفراد أنواع لما فوقه من الجنس ، لا نهاية لأحسنية بعضها بالنسبة إلى بعض{[65706]} يشاهد ما وجد من أفراد نوعه من الذوات فقدرة الله لا تتناهى ، فإياك أن تصغي لما وقع في كتب الإمام الغزالي أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، وإن كان قد علم أنه اعترض عليه في ذلك {[65707]}وأجاب{[65708]} عنه في الكتاب الذي أجاب فيه عن{[65709]} أشياء اعترض عليه فيها فإنه لا عبرة بذلك الجواب أيضاً ، فإن ذلك ينحل إلى أنه سبحانه وتعالى لا يقدر على أن يخلق أحسن من هذا العالم ، وهذا لا يقوله أحد ، وهو لا ينقص مقدار الغزالي فإن كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد كما قال الإمام مالك رضي الله عنه ، وعزاه الغزالي نفسه إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه : صنفت هذه الكتب وما ألوت فيها جهداً وإني لأعلم أن فيها الخطأ لأن الله تعالى يقول :

( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً }[ النساء : 82 ] .

ولما كان التقدير : فكان منه سبحانه المبدأ ، عطف عليه قوله : { وإليه } أي وحده { المصير * } أي بعد البعث بعين القدرة التي قدر بها على البدأة فمن كان{[65710]} على الفطرة الأولى لم يغيرها أدخله الجنة ، ومن كان قد أفسدها فجعل روحه نفساً بما طبعها به من حيث جسده أدخله النار ، وفي الدنيا أيضاً بانفراده بالتدبير ، فلا يكون من الملك والسوقة إلا ما يريد ، لا ما يريد{[65711]} ذلك المريد الفاعل .


[65693]:- زيد في الأصل: فيتصرف، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[65694]:- من ظ وم، وفي الأصل: منه.
[65695]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[65696]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[65697]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[65698]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[65699]:- من م، وفي الأصل وظ: لا تخالف.
[65700]:- من ظ وم، وفي الأصل: صور تشبهه.
[65701]:- من ظ وم، وفي الأصل: صور تشبهه.
[65702]:- من ظ وم، وفي الأصل: مكانها.
[65703]:-من م، وفي الأصل وظ: الشفاعة.
[65704]:- من ظ وم، وفي الأصل: أحسن.
[65705]:- في الأصل بياض ملأناه من ظ وم.
[65706]:-زيد من م.
[65707]:- من ظ وم، وفي الأصل: فافهم فأجاب.
[65708]:- من ظ وم، وفي الأصل: فافهم فأجاب.
[65709]:- من ظ وم، وفي الأصل: من.
[65710]:- زيد في الأصل: فيها، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[65711]:- زيد من م.