السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

ولما ذكر المظروف ذكر ظرفه دالاً على تمام إحاطته بالبواطن والظواهر .

وقوله تعالى : { خلق السماوات } أي : على علوها وكبرها { والأرض } على سعتها { بالحق } أي : بالأمر الذي يطابقه الواقع لما أراد { وصورّكم } أي : آدم عليه السلام خلقه بيده كرامة له . قال مقاتل : وقيل : جميع الخلائق على صور لا توافق شيئاً من صور العلويات ، ولا السفليات ، ولا فيها صور توافق الأخرى من كل وجه { فأحسن صوركم } فجعلها أحسن الحيوانات كلها كما هو مشاهد ، وبدليل أن الإنسان لا يتمنى أن يكون على خلاف ما يرى من سائر الصور ، ومن حسن صورته أن خلقه منتصباً غير منكب كما قال تعالى : { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } [ التين : 4 ] كما يأتي إن شاء الله تعالى .

فإن قيل : قد يوجد في أفراد هذا النوع من كل مشوه الخلقة سمج الصورة .

أجيب : بأنه لا سماجة لأن الحسن في المعاني ، وهو على طبقات ومراتب ، فانحطاط بعض الصور عن مراتب ما فوقه لا يمنع حسنه ، فهو داخل في حيز الحسن غير خارج عن حدّه ، فقبح القبيح منه إنما هو بالنسبة إلى أحسن منه . ولذا قال الحكماء : شيئان لا غاية لهما الجمال والبيان ، فقدرة الله سبحانه وتعالى لا تتناهى .

قال البقاعي : فإياك أن تصغي لما وقع في كتب الغزالي إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان ، فإن ذلك ينحل إلى أنه سبحانه لا يقدر أن يخلق أحسن من هذا العالم ، وهذا لا يقوله أحد ، ا . ه . وهو لا ينقص مقدار الغزالي فإن كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد عليه كما قال الإمام مالك ، وعزاه الغزالي نفسه إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، وقال الشافعي : صنفت هذه الكتب وما ألوت فيها جهداً وإني لا علم أن فيها الخطأ لأن الله تعالى يقول : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا } [ النساء : 82 ] ولما كان التقدير فكان منه سبحانه المبدأ عطف عليه قوله تعالى : { وإليه } وحده { المصير } أي : المرجع بعد البعث فيجازى كلاً بعمله .