الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

{ بالحق } بالغرض الصحيح والحكمة البالغة ، وهو أن جعلها مقارّ المكلفين ليعملوا فيجازيهم { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } وقرىء : «صوركم » بالكسر ، لتشكروا . وإليه مصيركم فجزاؤكم على الشكر والتفريط فيه .

فإن قلت : كيف أحسن صوركم ؟ قلت : جعلهم أحسن الحيوان كله وأبهاه ، بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور . ومن حسن صورته أنه خلق منتصباً غير منكب ، كما قال عز وجل : { فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] .

فإن قلت : فكم من دميم مشوّه الصورة سمج الخلقة تقتحمه العيون ؟ قلت : لا سماجة ثم ولكن الحسن كغيره من المعاني على طبقات ومراتب ، فلانحطاط بعض الصور عن مراتب ما فوقها انحطاطاً بيناً وإضافتها إلى الموفى عليها لا تستملح ، وإلا فهي داخلة في حيز الحسن غير خارجة عن حدّه .

ألا ترى أنك قد تعجب بصورة وتستملحها ولا ترى الدنيا بها ، ثم ترى أملح وأعلى في مراتب الحسن منها فينبو عن الأولى طرفك ، وتستثقل النظر إليها بعد افتتانك بها وتهالكك عليها . وقالت الحكماء : شيئان لا غاية لهما : الجمال ، والبيان .