في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّمَنۡ خَافَ عَذَابَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّجۡمُوعٞ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّشۡهُودٞ} (103)

100

ذلك الأخذ الأليم الشديد في الدنيا علامة على عذاب الآخرة ، يراها من يخافون عذاب الآخرة ، أي الذين تفتحت بصائرهم ليدركوا أن الذي يأخذ القرى بظلمها في هذه الحياة سيأخذها بذنوبها في الآخرة ، فيخافوا هذا العذاب . . وهنا يعبر السياق بالقلب البشري من مشاهد الأرض إلى مشاهد القيامة على طريقة القرآن في وصل الرحلتين بلا فاصل في السياق : ( إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة . ذلك يوم مجموع له الناس ، وذلك يوم مشهود . وما نؤخره إلا لأجل معدود . يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه ، فمنهم شقي وسعيد . فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق . خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض - إلا ما شاء ربك - إن ربك فعال لما يريد . وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض - إلا ما شاء ربك - عطاء غير مجذوذ )

( إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ) . .

ففي ذلك الأخذ الأليم الشديد مشابه من عذاب الآخرة ، تذكر بهذا اليوم وتخيف . .

وإن كان لا يراها إلا الذين يخافون الآخرة فتتفتح بصائرهم بهذه التقوى التي تجلو البصائر والقلوب . .

والذين لا يخافون الآخرة تظل قلوبهم صماء لا تتفتح للآيات ، ولا تحس بحكمة الخلق والإعادة ، ولا ترى إلا واقعها القريب في هذه الدنيا ، وحتى العبر التي تمر في هذه الحياة لا تثير فيها عظة ولا فهما .

ثم يأخذ في وصف ذلك اليوم . .

( ذلك يوم مجموع له الناس ، وذلك يوم مشهود ) . .

وهنا يرتسم مشهد التجميع يشمل الخلق جميعا ، على غير إرادة منهم ، إنما هو سوق الجميع سوقا إلى ذلك المعرض المشهود ، والكل يحضر والكل ينتظر ما سوف يكون . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّمَنۡ خَافَ عَذَابَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّجۡمُوعٞ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّشۡهُودٞ} (103)

وقال تعالى : { ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ } {[14904]} أي : أولهم وآخرهم ، فلا يبقى منهم أحد ، كما قال : { وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [ الكهف : 47 ] .

{ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ } أي : يوم عظيم تحضره الملائكة كلهم ، ويجتمع فيه الرسل جميعهم ، وتحشر فيه الخلائق بأسرهم ، من الإنس والجن والطير والوحوش والدواب ، ويحكم فيهم{[14905]} العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة ، وإن تك حسنة يضاعفها .


[14904]:- قبلها في ت ، أ : "إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة".
[14905]:- في أ : "فيه".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّمَنۡ خَافَ عَذَابَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّجۡمُوعٞ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّشۡهُودٞ} (103)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لّمَنْ خَافَ عَذَابَ الاَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مّجْمُوعٌ لّهُ النّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مّشْهُودٌ } .

يقول تعالى ذكره : إن في أخذنا مَن أخذنا من أهل القرى التي اقتصصنا خبرها عليكم أيها الناس { لآية } ، يقول : لعبرة وعظة لمن خاف عقاب الله وعذابه في الاَخرة من عباده ، وحجة عليه لربه ، وزاجرا يزجره عن أن يعصي الله ويخالفه فيما أمره ونهاه . وقيل : بل معنى ذلك : إن فيه عبرة لمن خاف عذاب الاَخرة بأن الله سيفي له بوعده . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : إ{ نّ فِي ذلكَ لآيَةً لِمَنْ خافَ عَذَابَ الاَخِرَةِ } ، إنا سوف نفي لهم بما وعدناهم في الاَخرة ، كما وفينا للأنبياء أنا ننصرهم . وقوله : { ذلكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ } ، يقول تعالى ذكره : هذا اليوم ، يعني : يوم القيامة ، { يوْمٌ مجموعٌ له الناس } ، يقول : يحشر الله الناس من قبورهم ، فيجمعهم فيه للجزاء والثواب والعقاب . { وَذَلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ } ، يقول : وهو يوم تشهده الخلائق لا يتخلف منهم أحد ، فينتقم حينئذ ممن عصى الله وخالف أمره وكذب رسله .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن مجاهد ، في قوله : { ذلكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ } ، قال : يوم القيامة .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن عكرمة ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن عليّ بن زيد ، عن يوسف المكيّ ، عن ابن عباس ، قال : الشاهد : محمد ، والمشهود : يوم القيامة . ثم قرأ : { ذلكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ } .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن عليّ بن زيد ، عن ابن عباس ، قال : الشاهد : محمد ، والمشهود : يوم القيامة . ثم تلا هذه الآية : { ذلكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ } .

حُدثت عن المسيب عن جويبر ، عن الضحاك ، قوله : { ذلكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وذلكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ } ، قال : ذلك يوم القيامة ، يجتمع فيه الخلق كلهم ، ويشهده أهل السماء وأهل الأرض .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّمَنۡ خَافَ عَذَابَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ ذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّجۡمُوعٞ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوۡمٞ مَّشۡهُودٞ} (103)

وقوله تعالى : { إن في ذلك لآية } المعنى : أن في هذه القرى وما حل بها لعبرة وعلامة اهتداء لمن خاف أمر الآخرة وتوقع أن يناله عذابها فنظر وتأمل ، فإن نظره يؤديه إلى الإيمان بالله تعالى ، ثم عظم الله أمر يوم القيامة بوصفه بما تلبس بأجنبي منه للسبب المتصل بينهما ، ويعود الضمير عليه ، و { الناس } - على هذا - مفعول لم يسم فاعله ، ويصح أن يكون { الناس } رفعاً بالابتداء و { مجموع } خبر مقدم{[6507]} .

وهذه الآية خبر عن الحشر ، و { مشهود } عام على الإطلاق يشهده الأولون والآخرون من الإنس والملائكة والجن والحيوان ، في قول الجمهور ، وفيه - أعني الحيوان الصامت - اختلاف ، وقال ابن عباس : الشاهد : محمد عليه السلام ، و «المشهود » يوم القيامة .


[6507]:- قال أبو حيان تعقيبا على هذا الإعراب: "وهو بعيد لإفراد الضمير في [مجموع]، وقياسه- على إعرابه- "مجموعون". ومن اللطائف التي ذكرها الزمخشري ونقلها عنه أبو حيان تعليله لإيثار اسم المفعول على الفعل بقوله: "لما في اسم المفعول من دلالته على ثبات معنى الجمع لليوم، وأنه لا بد أن يكون ميعادا مضروبا لجمع الناس له، وأنه هو الموصوف بذلك صفة لازمة، وهو أثبت أيضا لإسناد الجمع إلى الناس وأنهم لا يتفكّون منه، وفيه من تمكن الوصف وثباته ما ليس في الفعل. ومعنى [مشهود]: مشهود فيه، فاتسع في الجار والمجرور ووصل الفعل إلى الضمير إجراء له مجرى المفعول به على السعة، والمعنى: "يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد"، ومنهم قولهم: "لفلان مجلس مشهود وطعام محضور".