في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{هَٰذَا فَلۡيَذُوقُوهُ حَمِيمٞ وَغَسَّاقٞ} (57)

وأما الآخرون فلهم مهاد . ولكن لا راحة فيه . إنه جهنم ( فبئس المهاد ) ! ولهم فيه شراب ساخن وطعام مقيىء . إنه ما يغسق ويسيل من أهل النار ! أو لهم صنوف أخرى من جنس هذا العذاب . يعبر عنها بأنها( أزواج ) !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{هَٰذَا فَلۡيَذُوقُوهُ حَمِيمٞ وَغَسَّاقٞ} (57)

{ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } أما الحميم فهو : الحار الذي قد انتهى حره وأما الغَسَّاق فهو : ضده ، وهو البارد الذي لا يستطاع من شدة برده المؤلم . ولهذا قال : { وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{هَٰذَا فَلۡيَذُوقُوهُ حَمِيمٞ وَغَسَّاقٞ} (57)

وقوله : ( هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسّاقٌ ) : يقول تعالى ذكره : هذا حميم ، وهو الذي قد أُغلي حتى انتهى حرّه ، وغساق فليذوقوه فالحميم مرفوع بهذا ، وقوله : فَلْيَذُوقُوهُ معناه التأخير ، لأن معنى الكلام ما ذكرت ، وهو : هذا حميم وغسّاق فليذوقوه . وقد يتجه إلى أن يكون هذا مكتفيا بقوله فليذوقوه ثم يُبْتدأ فيقال : حميمٌ وغَسّاق ، بمعنى : منه حميم ومنه غَسّاق كما قال الشاعر :

حتى إذا ما أضَاءَ الصّبْحُ في غَلَسٍ *** وَغُودِرَ البقْلُ مَلْويّ وَمَحْصُودُ

وإذا وُجّه إلى هذا المعنى جاز في هذا النصب والرفع . النصب : على أن يُضْمر قبلها لها ناصب ، كم قال الشاعر :

زِيادَتَنا نُعْمانُ لا تَحْرِمَنّنا *** تَقِ اللّهَ فِينا والكِتابَ الّذي تَتْلُو

والرفع بالهاء في قوله : ( فَلْيَذُوقُوهُ ) كما يقال : الليلَ فبادروه ، والليلُ فبادروه .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ( هَذَا فَلْيَذوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسّاقٌ ) قال : الحميم : الذي قد انتهى حَرّه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : الحميم دموع أعينهم ، تجمع في حياض النار فيسقونه .

وقوله : ( وَغَسّاقٌ ) : اختلفت القرّاء في قراءته ، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والبصرة وبعض الكوفيين والشام بالتخفيف : «وَغَسَاقٌ » وقالوا : هو اسم موضوع . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : وَغَسّاقٌ مشدّدة ، ووجهوه إلى أنه صفة من قولهم : غَسَقَ يَغْسِقُ غُسُوقا : إذا سال ، وقالوا : إنما معناه : أنهم يُسْقَون الحميم ، وما يسيل من صديدهم .

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وإن كان التشديد في السّين أتمّ عندنا في ذلك ، لأن المعروف ذلك في الكلام ، وإن كان الاَخر غير مدفوعة صحته .

واختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : هو ما يَسيل من جلودهم من الصديد والدم . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسّاقٌ قال : كنا نحدّث أن الغَسّاق : ما يسيل من بين جلده ولحمه .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : الغسّاق : الذي يسيل من أعينهم من دموعهم ، يُسْقونه مع الحميم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : الغسّاق : ما يسيل من سُرْمهم ، وما يسقط من جلودهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد الغسّاق : الصديد الذي يجمع من جلودهم مما تصهَرهم النار في حياض يجتمع فيها فيُسقونه .

حدثني يحيى بن عثمان بن صالح السهميّ ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا ابن لَهيعة ، قال : ثني أبو قبيل أنه سمع أبا هبيرة الزيادي يقول : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : أيّ شيء الغسّاق ؟ قالوا : الله أعلم ، فقال عبد الله بن عمرو : هو القَيْح الغليظ ، لو أن قطرة منه تُهرَاق في المغرب لأنتنت أهل المشرق ، ولو تُهَراق في المشرق لأنتنت أهل المغرب .

قال يحيى بن عثمان ، قال أبي : حدثنا ابن لَهِيعة مرّة أخرى ، فقال : حدثنا أبو قبيل ، عن عبد الله بن هبيرة ، ولم يذكر لنا أبا هبيرة .

حدثنا ابن عوف ، قال : حدثنا أبو المغيرة ، قال : حدثنا صفوان ، قال : حدثنا أبو يحيى عطية الكلاعيّ ، أن كعبا كان يقول : هل تدرون ما غَسّاق ؟ قالوا : لا والله ، قال : عين في جهنم يسيل إليها حُمَةُ كلّ ذات حُمَةٍ من حية أو عقرب أو غيرها ، فيستنقع فيؤتي بالاَدمي ، فيغْمَس فيها غمسة واحدة ، فيخرج وقد سقط جلده ولحمه عن العظام . حتى يتعلّق جلده في كعبيه وعقبيه ، وينجَرّ لحمه كجرّ الرجل ثوبه .

وقال آخرون : هو البارد الذي لا يُستطاع من برده . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن يحيى بن أبي زائدة ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد : ( وغسّاق ) قال : بارد لا يُسْتطاع ، أو قال : برد لا يُسْتطاع .

حدثني عليّ بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المحاربيّ ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك : ( هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وغَسّاقٌ ) قال : يقال : الغسّاق : أبرد البرد ، ويقول آخرون : لا بل هو أنتن النَتْن .

وقال آخرون : بل هو المُنْتِن . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن المسيب ، عن إبراهيم النكري ، عن صالح بن حيان ، عن أبيه ، عن عبد الله بن بُرَيدة ، قال : الغسّاق : المنتن ، وهو بالطّخارية .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني عمرو بن الحارث ، عن درّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخُدريّ ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «لَوْ أنّ دَلْوا مِنْ غَسّاقٍ يُهَراقُ فِي الدّنيْا لأَنُتَنَ أهْلَ الدّنْيا » .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : هو ما يسيل من صديدهم ، لأن ذلك هو الأغلب من معنى الْغُسُوق ، وإن كان للاَخر وجه صحيح .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هَٰذَا فَلۡيَذُوقُوهُ حَمِيمٞ وَغَسَّاقٞ} (57)

وقوله : { هذا فليذوقوه } يحتمل أن يكون { هذا } ابتداء ، والخبر { حميم } ويحتمل أن يكون التقدير : الأمر هذا فليذوقوه ، ويحتمل أن يكون في موضع نصب بفعل يدل عليه { فليذوقوه } و { حميم } على هذا خبر ابتداء مضمر . قال ابن زيد : الحميم ، دموعهم تجتمع في حياض فيسقونها وقرأ جمهور الناس : «وغساق » بتخفيف السين ، وهو اسم بمعنى السائل ، يروى عن قتادة أنه ما يسيل من صديد أهل النار . ويروى عن السدي أنه ما يسيل من عيونهم . ويروى عن كعب الأحبار أنه ما يسيل من حمة عقارب النار ، وهي يقال مجتمعة عندهم . وقال الضحاك : هو أشد الأشياء برداً . وقال عبد الله بن بريدة : هو أنتن الأشياء ، ورواه أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم : «وغسّاق » بتشديد السين ، بمعنى سيال وهي قراءة قتادة وابن أبي إسحاق وابن وثاب وطلحة ، والمعنى فيه على ما قدمناه من الاختلاف غير أنها قراءة تضعف ، لأن غساقاً إما أن يكون صفة فيجيء في الآية حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، وذلك غير مستحسن هنا ، وأما أن يكون اسماً ، فالأسماء على هذا الوزن قليلة في كلام العرب كالقياد ونحوه .