وحين ينتهي من عرض سوءات نفوسهم ؛ وسوءات سلوكهم ؛ ومن عرض أسبابها من الكفر بالله واليوم الآخر ، وصحبة الشيطان واتباعه ؛ ومن الجزاء المعد المهيأ لأصحاب هذه السوءات ، وهو العذاب المهين . . عندئذ يسأل في استنكار :
( وماذا عليهم لو آمنوا بالله ، واليوم الآخر ، وأنفقوا مما رزقهم الله ؟ وكان الله بهم عليما . إن الله لا يظلم مثقال ذرة ، وإن تك حسنة يضاعفها ، ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) . .
أجل ! ماذا عليهم ؟ ما الذي يخشونه من الإيمان بالله واليوم الآخر ، والإنفاق من رزق الله .
ثم قال تعالى : { وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَومِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ [ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا ]{[7498]} } أي : وأيّ شيء يَكرثُهم لو سلكوا الطريق الحميدة ، وعَدَلُوا عن الرياء إلى الإخلاص والإيمان بالله ، ورجاء موعوده في الدار الآخرة لمن أحسن عملا وأنفقوا مما رزقهم الله في الوجوه التي يحبها الله ويرضاها .
وقوله : { وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا } أي : وهو عليم بنياتهم الصالحة والفاسدة ، وعليم بمن يستحق التوفيق منهم فيوفقه ويلهمه رشده ويقيضه لعمل صالح يرضى به عنه ، وبمن يستحق الخذلان والطرد عن جنابه الأعظم الإلهي ، الذي مَنْ طُرِدَ عن بابه فقد خاب وخَسِرَ في الدنيا والآخرة ، عياذا بالله من ذلك [ بلطفه الجزيل ]{[7499]} .
{ وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيماً } . .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : أيّ شيء على هؤلاء الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ، ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الاَخر ، لو آمنوا بالله واليوم الاَخر ، لو صدّقوا بأن الله واحد لا شريك له ، وأخلصوا له التوحيد ، وأيقنوا بالبعث بعد الممات ، وصدّقوا بأن الله مجازيهم بأعمالهم يوم القيامة { وأنفقُوا ممّا رزقهُم اللّهُ } يقول وأدّوا زكاة أموالهم التي رزقهم الله ، وأعطاهموها طيبة بها أنفسهم ، ولم ينفقوها رئاء الناس التماس الذكر والفخر عند أهل الكفر بالله ، والمحمدة بالباطل عند الناس ، وكان الله بهؤلاء الذين وصف صفتهم أنهم ينفقون أموالهم رئاء الناس نفاقا ، وهم بالله واليوم الاَخر مكذّبون ، عليما ، يقول : ذا علم بهم وبأعمالهم وما يقصدون ويريدون بانفاقهم ، وما ينفقون من أموالهم ، وأنهم يريدون بذلك الرياء والسمعة والمحمدة في الناس ، وهو حافظ عليهم أعمالهم ، لا يخفى عليه شيء منها حتى يجازيهم بها جزاءهم عنا معادهم إليه .
وقوله تعالى : { وماذا عليهم } «ما » رفع بالابتداء ، «ذا » صلة ، و { عليهم } خبر الابتداء ، التقدير : وأي شيء عليهم ؟ ويصح أن تكون «ما » اسماً بانفرادها ، و «ذا » بمعنى «الذي » ابتداء وخبر ، وجواب «لو » في قوله :< ماذا> فهو جواب مقدم .
قال القاضي أبو محمد : وكأن هذا الكلام يقتضي أن الإيمان متعلق بقدرتهم ، ومن فعلهم . ولا يقال لأحد : ما عليك لو فعلت إلا فيما هو مقدور له ، وهذه شبهة للمعتزلة ، والانفصال عنها أن المطلوب إنما هو تكسبهم واجتهادهم وإقبالهم على الإيمان ، وأما الاختراع فالله المنفرد به ، وفي هذا الكلام تفجع ما عليهم ، واستدعاء جميل يقتضي حيطة وإشفاقاً { وكان الله بهم عليماً } إخبار يتضمن وعيداً ، وينبه على سوء تواطئهم ، أي : لا ينفعهم كتم مع علم الله تعالى بهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.