ولقد جاءت الخوارق من قبل ، فلم يؤمن بها من جاءتهم ، فحل بهم الهلاك ، وفقا لسنة الله التي لا تتخلف في إهلاك من يكذبون بالخوارق :
( ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها ) . .
ذلك أن من يبلغ به العناد ألا يؤمن بالخارقة المادية المحسوسة ، لا يبقى له عذر ، ولا يرجى له صلاح . فيحق عليه الهلاك .
ولقد تكررت الآيات ، وتكرر التكذيب بها ، وتكرر كذلك إهلاك المكذبين . . فما بال هؤلاء سيؤمنون بالخارقة لو جاءتهم ؛ وهم ليسوا سوى بشر كهؤلاء الهالكين !
أي ما آتينا قرية من القرى التي بعث فيهم الرسل آية على يدي نبيها فآمنوا بها بل كذبوا ، فأهلكناهم بذلك أفهؤلاء يؤمنون بالآيات لو رأوها دون أولئك ؟ كلا ، بل { إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم } هذا كله وقد شاهدوا من الآيات الباهرات والحجج القاطعات والدلائل البينات على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو أظهر وأجلى وأبهر وأقطع وأقهر مما شوهد مع غيره من الأنبياء ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
القول في تأويل قوله تعالى : { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ما آمن من قبل هؤلاء المكذّبين محمدا من مشركي قومه الذين قالوا فليأتنا محمد بآية كما جاءت به الرسل قبله من أهل قرية عذّبناهم بالهلاك في الدنيا ، إذ جاءهم رسولنا إليهم بآية معجزة . أفَهُمْ يُؤْمِنُونَ يقول : أفهؤلاء المكذّبون محمدا السائلوه الاَية يؤمنون به إن جاءتهم آية ولم تؤمن قبلهمْ أسلافهم من الأمم الخالية التي أهلكناها برسلها مع مجيئها ؟
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أهْلَكْناها أفَهُمْ يُؤْمِنُونَ يصدّقون بذلك .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أهْلَكْناها أفَهُمْ يُؤْمِنُونَ أي الرسل كانوا إذا جاءوا قومهم بالبينات فلم يؤمنوا لم يُنْظَرو .
وقوله تعالى : { ما آمنت قبلهم } مقدراً كلام يدل عليه المعنى ، تقديره والآية التي طلبوا عادتنا أن القوم إن كفروا بها عاجلناهم . وما آمنت قرية من القرى التي نزلت بها هذه النازلة ، أفهذه كانت تؤمن ؟ وقوله تعالى : { أهلكناها } جملة في موضع الصفة ل { قرية } والجملة إذا اتبعت النكرات فهي صفة لها وإذا اتبعت المعارف فهي أحوال منها .
استئناف ابتدائي جواباً على قولهم { كما أرسل الأولون } [ الأنبياء : 5 ] ، والمعنى : أن الأمم التي أرسل إليها الأولون ما أغنت فيهم الآيات التي جاءتهم كما وددتُم أن تكون لكم مثلها فما آمنوا ، ولذلك حق عليهم الإهلاك فشأنكم أيها المشركون كشأنهم . وهذا كقوله تعالى : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } في سورة [ الإسراء : 59 ] .
وإنما أمسك الله الآيات الخوارق عن مشركي مكة لأنه أراد استبقاءهم ليكون منهم مؤمنون وتكون ذرياتهم حملة هذا الدين في العالم ، ولو أرسلت عليهم الآيات البينة لكانت سنة الله أن يعقبها عذاب الاستئصال للذين لا يؤمنون بها .
و ( ما ) نافية . و ( من ) في قوله تعالى { من قرية } مزيدة لتأكيد النفي المستفاد من حرف ( ما ) .
ومتعلق { آمنت } محذوف دل عليه السياق ، أي ما آمنت بالآيات قرية .
وجملة { أهلكناها } صفة ل { قرية } وردت مستطردة للتعريض بالوعيد بأن المشركين أيضاً يترقبون الإهلاك .
وذُكرت القرية هنا مراداً بها أهلها ليبنى عليها الوصف بإهلاكها لأن الإهلاك أصاب أهل القرى وقراهم ، فلذلك قيل { أهلكناها } دون ( أهلكناهم ) كما في سورة [ الكهف : 59 ] { وتلك القرى أهلكناهم } وفرعت جملة { أفهم يؤمنون } على جملة { ما آمنت قبلهم من قرية } مقترنة باستفهام الإنكار ، أي فهم لا يؤمنون لو أتيناهم بآية كما اقترحوا كما لم يؤمن الذين من قبلهم الذين جعلوهم مثالاً في قولهم { كما أرسل الأولون } [ الأنبياء : 5 ] وهذا أخذ لهم بلازم قولهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.