روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{مَآ ءَامَنَتۡ قَبۡلَهُم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآۖ أَفَهُمۡ يُؤۡمِنُونَ} (6)

{ مَا ءامَنَتْ قَبْلَهُمْ مِن قَرْيَةٍ } كلام مستأنف مسوق لتكذيبهم فيما ينبئ عنه خاتمة مقالهم من الوعد الضمني بالإيمان عند اتيان الآية المقترحة وبيان أنهم في اقتراح ذلك كالباحث عن حتفه بظلفه وإن في ترك الإجابة إليه إبقاء عليهم كيف لا ولو أعطوا ما اقترحوه مع عدم إيمانهم قطعاً لاستئصلوا لجريان سنة الله تعالى شأنه في الأمم السالفة على استئصال المقترحين منهم إذا أعطوا ما اقترحوه ثم لم يؤمنوا وقد سبقت كلمته سبحانه أن هذه الأمة لا يعذبون بعذاب الاستئصال ، وهذا أولى مما قيل أنهم لما طعنوا في القرآن وانه معجزة وبالغوا في ذلك حتى أخذوا من قوله تعالى : { أَفَتَأْتُونَ السحر } [ الأنبياء : 3 ] إلى أن انتهو إلى قوله سبحانه { فَلْيَأْتِنَا } [ الأنبياء : 5 ] الخ جيء بقوله عز وجل { مَا ءامَنَتْ } الخ تسلية له صلى الله عليه وسلم من أن الإنذار لا يجدي فيهم .

وأياً ما كان فقوله سبحانه : { مِن قَرْيَةٍ } على حذف المضاف أي من أهل قرية ، ومن مزيدة لتأكيد العموم وما بعدها في محل الرفع على الفاعلية ، وقوله سبحانه : { أهلكناها } في محل جر أو رفع صفة قرية ، والمراد أهلكناها باهلاك أهلها لعدم إيمانهم بعد مجيء ما اقترحوه من الآيات ، وقيل القرية مجاز عن أهلها فلا حاجة إلى تقدير المضاف .

واعترض بأن { أهلكناها } يأباه والاستخدام وإن كثر في الكلام خلاف الظاهر ، وقال بعضهم : لك أن تقول إن اهلاكها كناية عن اهلاك أهلها وما ذكر أولاً أولى ، والهمزة في قوله سبحانه : { أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } لإنكار الوقوع والفاء للعطف إما على مقدر دخلته الهمزة فافادت إنكار وقوع إيمانهم ونفيه عقيب عدم إيمان الأولين فالمعنى أنه لم يؤمن أمة من الأمم المهلكة عند إعطاء ما اقترحوه من الآيات أهم لم يؤمنوا فهؤلاء يؤمنون لو أعطوا ما اقترحوه أي مع أنهم اعتى واطغى كما يفهم بمعونة السياق والعدول عن فهم لا يؤمنون أيضاً وأما على { مَا ءامَنَتْ } على أن الفاء متقدمة على الهمزة في الاعتبار مفيدة لترتيب إنكار وقوع إيمانهم على عدم إيمان الأولين وإنما قدمت عليها الهمزة لاقتضائها الصدارة