اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَآ ءَامَنَتۡ قَبۡلَهُم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآۖ أَفَهُمۡ يُؤۡمِنُونَ} (6)

فأجابهم الله تعالى بقوله : { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ } أي : قبل مشركي مكة «مِنْ قَرْيَةٍ » أتتهم الآيات «أَهْلَكْنَاهَا » أي : أهلكناهم بالتكذيب «أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ إِن جاءتهم آية »{[27853]} . والمعنى : أنهم في العتو أشد من الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات ، وعاهدوا أنهم يؤمنون عندها ، فلما جاءتهم نكثوا وخالفوا ، فأهلكهم الله ، فلو أعطيناهم ما يقترحون لكانوا أشد نكثاً{[27854]} .

قال الحسن : إنما لم يجابوا لأن حكم الله تعالى{[27855]} أن من كذب بعد الإجابة إلى ما اقترحه ، فلا بدّ من أن ينزل به عذاب الاستئصال ، وقد مضى حكمه في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة بخلافه فلذلك لم يجبهم{[27856]} . وتقدم الكلام في إعراب نظير{[27857]} قوله : { أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ }{[27858]} .

قوله : «نُوحِي إِلَيْهَم » . قرأ حفص «نوحي » بنون العظمة مبنياً للفاعل ، أي نوحي نحن والباقون بالياء وفتح الحاء مبنياً للمفعول{[27859]} ، وقد تقدم في يوسف{[27860]} . وهذه الجملة في محل نصب نعتاً ل «رِجَالاً و «إِلَيْهِمْ » في القراءة الأولى منصوب المحل ، والمفعول محذوف ، أي : نوحي إليهم القرآن أو الذكر . ومرفوع المحلّ في القراءة الثانية لقيامه مقام الفاعل{[27861]} .


[27853]:انظر البغوي 5/475-476.
[27854]:انظر الفخر الرازي 22/143.
[27855]:في ب: لأن علم الله مع. وهو تحريف.
[27856]:انظر الفخر الرازي 22/143.
[27857]:في ب: نظيره. وهو تحريف.
[27858]:وهو قوله تعالى: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون} [الأعراف: 97]. انظر اللباب 4/75.
[27859]:السبعة 428، الحجة لابن خالويه 248، الكشف 2/14-15 النشر 2/296، الإتحاف (306).
[27860]:عند قوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى} [يوسف: 109] وذكر هناك: قرأ العامة: "يوحي" بالياء من تحت مبنيا للمفعول، وقرأ حفص "نوحي" بالنون وكسر الحاء مبنيا للفاعل، وكذلك قرأ ما في النحل وأول الأنبياء. انظر اللباب 5/77.
[27861]:انظر التبيان 2/912.