في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (13)

: ( وأخرى تحبونها : نصر من الله وفتح قريب . وبشر المؤمنين ) . .

وهنا تبلغ الصفقة ذروة الربح الذي لا يعطيه إلا الله . الله الذي لا تنفد خزائنه ، والذي لا ممسك لرحمته . فهي المغفرة والجنات والمساكن الطيبة والنعيم المقيم في الآخرة . وفوقها . . فوق البيعة الرابحة والصفقة الكاسبة النصر والفتح القريب . . فمن الذي يدله الله على هذه التجارة ثم يتقاعس عنها أو يحيد ? !

وهنا يعن للنفس خاطر أمام هذا الترغيب والتحبيب . . إن المؤمن الذي يدرك حقيقة التصور الإيماني للكون والحياة ؛ ويعيش بقلبه في هذا التصور ؛ ويطلع على آفاقه وآماده ؛ ثم ينظر للحياة بغير إيمان ، في حدودها الضيقة الصغيرة ، وفي مستوياتها الهابطة الواطية ، وفي اهتماماتها الهزيلة الزهيدة . . هذا القلب لا يطيق أن يعيش لحظة واحدة بغير ذلك الإيمان ، ولا يتردد لحظة واحدة في الجهاد لتحقيق ذلك التصور الضخم الوسيع الرفيع في عالم الواقع ، ليعيش فيه ، وليرى الناس من حوله يعيشون فيه كذلك . . ولعله لا يطلب على جهاده هذا أجرا خارجا عن ذاته . فهو ذاته أجر . . هذا الجهاد . . وما يسكبه في القلب من رضى وارتياح . ثم إنه لا يطيق أن يعيش في عالم بلا إيمان . ولا يطيق أن يقعد بلا جهاد لتحقيق عالم يسوده الإيمان . فهو مدفوع دفعا إلى الجهاد . كائنا مصيره فيه ما يكون . .

ولكن الله - سبحانه - يعلم أن النفس تضعف ، وأن الاندفاع يهبط ، وأن الجهد يكل وأن حب السلامة قد يهبط بتلك المشاعر كلها ويقودها إلى الرضى بالواقع الهابط . .

ومن ثم يجاهد القرآن هذه النفس ذلك الجهاد ؛ ويعالجها ذلك العلاج ، ويهتف لها بالموحيات والمؤثرات ذلك الهتاف المتكرر المتنوع ، في شتى المناسبات . ولا يكلها إلى مجرد الإيمان ، ولا إلى نداء واحد باسم هذا الإيمان .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (13)

{ وأخرى تحبونها } أي ولكم إلى ما ذكر من النعم العظيمة نعمة أخرى تحبونها ، وفسّرها بقوله : { نصر من الله وفتح قريب } أي عاجل ، وهو فتح مكة ، أو فارس والروم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (13)

نصر من الله وفتح قريب : فتح مكة ، ثم أتبع ذلك كله ببشرى عظيمة يحبها المؤمنون وينتظرونها وهي : { وأخرى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } نعمة كبرى تحبونها : النصر من الله ، وفتح مكة . وهو آت قريب . وقد أنجز الله وعده .

{ وَبَشِّرِ المؤمنين } يا محمد ، بهذه النعم ، وأن الله تعالى نصَرَهم لأنهم آمنوا حقيقة ، وجاهدوا جهاداً كبيرا ولم ينتظروا من أحدٍ أن يساعدَهم وهم قاعدون . . كما يفعل العرب والمسلمون اليوم .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (13)

{ وَأُخْرَى } أي ولكم إلى ما ذكر من النعم نعمة أخرى ، فأخرى مبتدأ ، وهي في الحقيقة صفة للمبتدأ المحذوف أقيمت مقامه بعد حذفه ، والخبر محذوف قاله الفراء ، وقوله تعالى : { تُحبُّونَهَا } في موضع الصفة ، وقوله سبحانه : { نَصْرٌ مِّنَ الله وَفَتْحٌ قَريبٌ } أي عاجل بدل أو عطف بيان ، وجملة المبتدأ وخبره قيل : حالية ؛ وفي «الكشف » وإنها عطف على جواب الأمر أعني { يغفر } [ الصف : 12 ] من حيث المعنى كما تقول : جاهدوا تؤجروا ولكم الغنيمة وفي { تحبونها } تعبير لهم وكذلك في إيثار الاسمية على الفعلية وعطفها عليها كأن هذه عندهم أثبت وأمكن ونفوسهم إلى نيلها والفوز أسكن .

وقيل : { أخرى } مبتدأ خبره { نصر } وقال قوم : هي في موضع نصب بإضمار فعل أي ويعطكم أخرى ، وجعل ذلك من باب

. علفتها تبناً وماءاً بارداً *** ومنهم من قدر تحبون أخرى على أنه من باب الاشتغال ، و { نصر } على التقديرين خبر مبتدأ محذوف أي ذلك أو هو { نصر } ، أو مبتدأ خبره محذوف أي نصر وفتح قريب عنده ، وقال الأخفش : هي في موضع جر بالعطف على { تجارة } [ الصف : 10 ] وهو كما ترى .

وقرأ ابن أبي عبلة نصراً وفتحاً قريباً بالنصب بأعني مقدراً ، أو على المصدر أي تنصرون نصراً ويفتح لكم فتحاً ، أو على البدلية من { أخرى } على تقدير نصبها { وَبَشِّر المُؤْمنينَ } عطف على قل مقدراً قبل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا } [ الصف : 10 ] ، وقيل : على أبشر مقدراً أيضاً ، والتقدير فأبشر يا محمد وبشر .

وقال الزمخشري : هو عطف على { تؤمنون } [ الصف : 11 ] لأنه في معنى الأمر كأنه قيل : آمنوا وجاهدوا يثبكم الله تعالى وينصركم وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك ، وتعقبه في الإيضاح بأن فيه نظراً لأن المخاطبين في { تؤمنون } هم المؤمنون ، وفي { بشر } هو النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قوله تعالى : { تؤمنون } بيان لما قبله على طريق الاستئناف فكيف يصح عطف { بشر المؤمنون } عليه ؟ وأجيب بما خلاصته أن قوله سبحانه : { يا أيها الذين آمنوا } للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته كما تقرر في أصول الفقه ، وإذا فسر بآمنوا وبشر دل على تجارته عليه الصلاة والسلام الرابحة وتجارتهم الصالحة ، وقدم { آمنوا } لأنه فاتحة الكل ثم لو سلم فلا مانع من العطف على جواب السائل بما لا يكون جواباً إذا ناسبه فيكون جواباً للسؤال وزيادة كيف وهو داخل فيه ؟ كأنهم قالوا : دلنا يا ربنا فقيل : آمنوا يكن لكم كذا وبشرهم يا محمد بثبوته لهم ، وفيه من إقامة الظاهر مقام المضمر وتنويع الخطاب ما لا يخفي نبل موقعه ، واختاره «صاحب الكشف » فقال : إن هذا الوجه من وجه العطف على قل ووجه العطف على فابشر لخلوهما عن الفوائد المذكورة يعني ما تضمنه الجواب .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (13)

قوله : { وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب } أي لكم – فضلا عن النعمة المذكورة- نعمة عاجلة أخرى محبوبة إليكم وهي { نصر من الله وفتح قريب } نصر ، خبر لمبتدأ مضمر . أي تلك النعمة نصر . ومن الله صفة له{[4528]} أي لكم من الله نصر وفتح قريب يفتحه عليكم وقيل : المراد النصر على قريش وفتح مكة . وقيل فتح فارس والروم .

قوله : { وبشر المؤمنين } أي بشر يا محمد المؤمنين بالنصر والفتح القريب في الدنيا ، والجنة في الآخرة . {[4529]} .


[4528]:الدر المصون جـ 10 ص 322.
[4529]:تفسير النسفي جـ 4 ص 253 وفتح القدير جـ 5 ص 223.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (13)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وأخرى تحبونها} ولكم سوى الجنة أيضا عدة الدنيا، {نصر من الله} على عدوكم إذا جاهدتم، {وفتح قريب} يعني ونصر عاجل في الدنيا {وبشر} بالنصر يا محمد {المؤمنين} في الدنيا، وبالجنة في الآخرة، فحمد القوم ربهم حين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

... معنى الكلام إذا كان الأمر كما وصفت: هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله، يغفر لكم ذنوبكم، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، ولكم خلة أخرى سوى ذلك في الدنيا تحبونها: نصر من الله لكم على أعدائكم، وفتح قريب يعجله لكم.

"وَبَشّرِ المُؤمِنِينَ" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وبشر يا محمد المؤمنين بنصر الله إياهم على عدّوهم، وفتح عاجل لهم.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب} فكأنه يقول: يعطيكم الله بتلك التجارة التي دلكم عليها ما ذكر من الثواب في الآجل، {وأخرى تحبونها نصر من الله} على أعدائكم وفتح البلاد، {وبشر المؤمنين} بهما. وقد فعل الله تعالى ذلك لهم...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب} وهذا من الله لزيادة الترغيب، لأنه لما وعدهم بالجنة على طاعته وطاعة رسوله، علم أن منهم من يريد عاجل النصر لقاء رغبة في الدنيا ولقاء تأييد الدين، فوعدهم بما يقوي به الرغبة فقال: {وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب} يعني فتح البلاد عليه وعليهم، وقد أنجز الله وعده في كلا الأمرين من النصر والفتح.

وفي قوله: {قريب} وجهان:

أحدهما: أنه راجع إلى ما يحبونه أنه نصر من الله وفتح قريب.

الثاني: أنه إخبار من الله بأن ما يحبونه من ذلك سيكون قريباً، فكان كما أخبر لأنه عجل لهم الفتح والنصر...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

وفي {تُحِبُّونَهَا} شيء من التوبيخ على محبة العاجل.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

ووصفها تعالى بأن النفوس تحبها من حيث هي عاجلة في الدنيا، وقد وكلت النفس لحب العاجل، ففي هذا تحريض، ثم قواه تعالى بقوله: {وبشر المؤمنين} وهذه الألفاظ في غاية الإيجاز، وبراعة المعنى...

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

ولما ذكر تعالى ما يمنحهم من الثواب في الآخرة، ذكر ما يسرهم في العاجلة، وهي ما يفتح عليهم من البلاد.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{وأخرى} أي ولكم نعمة، أو يعطيكم، أو يزيدكم نعمة أخرى. ولما كان الإنسان أحب في العاجل وأفرح بالناجز قال: {تحبونها} أي محبة كثيرة متجددة متزايدة، ففي ظاهر هذه البشرى تشويق إلى الجهاد وتحبيب، وفي باطنها حث على حب الشهادة بما يشير إليه من التوبيخ أيضاً على حب العاجل والتقريع: {نصر من الله} أي الذي أحاطت عظمته بكل شيء لكم وعلى قدر إحاطته تكون نصرته {وفتح قريب} أي تدخلون منه إلى كل ما كان متعسراً عليكم من حصون أعدائكم وغيرها من أمورهم في حياة نبيكم صلى الله عليه وسلم أعظمه فتح مكة...

{وبشر المؤمنين} أي الذين صار الإيمان لهم وصفاً راسخاً كحاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه بأن الله يفتح لك البلاد شرقاً وغرباً، وأول ذلك مكة المشرفة ولا يحوجهم إلى أن يدرؤوا عن عشائرهم وأموالهم ولا أن يكون شيء من أفعالهم يخالف شيئاً من أقوالهم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

: (وأخرى تحبونها: نصر من الله وفتح قريب. وبشر المؤمنين).. وهنا تبلغ الصفقة ذروة الربح الذي لا يعطيه إلا الله. الله الذي لا تنفد خزائنه، والذي لا ممسك لرحمته. فهي المغفرة والجنات والمساكن الطيبة والنعيم المقيم في الآخرة. وفوقها.. فوق البيعة الرابحة والصفقة الكاسبة النصر والفتح القريب...

.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطف على جملة {يغفر لكم ويدخلكم} [الصف: 12] عطفَ الاسمية على الفعلية. وجيء بالاسمية لإِفادة الثبوت والتحقق. وجيء به وصفاً مؤنثاً بتأويل نعمة، أو فضيلة، أو خصلة مما يؤذن به قوله: {يغفر لكم ذنوبكم} [الصف: 12] إلى آخره من معنى النعمة والخصلة كقوله تعالى: {وأخرى لم تقدروا عليها} في سورة [الفتح: 21] ووصف أخرى بجملة {تحبونها} إشارة إلى الامتنان عليهم بإعطائهم ما يحبون في الحياة الدنيا قبل إعطاء نعيم الآخرة.ووصف الفتح ب {بقريب} تعجيل بالمسرة.

وهذه الآية من معجزات القرآن الراجعة إلى الإِخبار بالغيب.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا} في ما يحبه الإنسان من النتائج المباشرة لحركته الجهادية في تأكيد ذاته بالتغلب على القوى المضادة في ساحة المعركة، لأنه يشعر بحصوله على ثمرة معاناته الشديدة: {نَصْرٌ مِّن اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}، فقد جعل الله النصر والفتح القريب خاضعاً لجهاد المجاهدين الذين يمدهم الله بقوته ويرعاهم بلطفه، ويفيض عليهم من رحمته. وربما كان المراد بالفتح القريب فتح مكة الذي كان المؤمنون ينتظرونه بلهفةٍ وشوقٍ، كما يقال، {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} لتكون البشارة هي البادرة التي يقدمها النبي (صلى الله عليه وسلم) بتكليفٍ من الله، فتكون قوةً لهم في ما يتحركون به من مشاريع جهاديةٍ مستقبليةٍ، على أساس ما يحصلون عليه من الثقة بالنصر والفتح القريب...