" يطوفون بينها وبين حميم آن " قال قتادة : يطوفون مرة بين الحميم ومرة بين الجحيم ، والجحيم النار ، والحميم الشراب . وفي قوله تعالى : " آن " ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه الذي انتهى حره وحميمه . قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي ، ومنه قول النابغة الذبياني :
وتُخْضَبُ لحية غَدَرَتْ وخانت *** بأحمرَ من نَجِيعِ الجَوْفِ{[14571]} آنِ
قال قتادة : " آن " طبخ منذ خلق الله السماوات والأرض ، يقول : إذا استغاثوا من النار جعل غياثهم ذلك . وقال كعب : " آن " واد من أودية جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فيغمسون بأغلالهم فيه حتى تنخلع أوصالهم ، ثم يخرجون منها وقد أحدث الله لهم خلقا جديدا فيلقون في النار ، فذلك قوله تعالى : " يطوفون بينها وبين حميم آن " . وعن كعب أيضا : أنه الحاضر . وقال مجاهد : إنه الذي قد آن شربه وبلغ غايته . والنعمة فيما وصف من هول القيامة وعقاب المجرمين ما في ذلك من الزجر عن المعاصي والترغيب في الطاعات . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتى على شاب في الليل يقرأ " فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان " [ الرحمن : 37 ] فوقف الشاب وخنقته العبرة وجعل يقول : ويحي من يوم تنشق فيه السماء ويحي ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ويحك يا فتى مثلها فو الذي نفسي بيده لقد بكت ملائكة السماء لبكائك{[14572]} " .
ثم استأنف ما يفعل بهم فيها فقال : { يطوفون بينها } أي بين دركة النار التي تتجهمهم { وبين حميم } أي ماء حار هو من شدة حرارته ذو دخان .
ولما كان هذا الاسم يطلق على البارد ، بين أمره فقال : { آن } أي بالغ حره إلى غاية ليس وراءها غاية ، قال الرازي في اللوامع : وقيل : حاضر ، وبه سمي الحال بالآن لأنه الحاضر الموجود ، فإن الماضي لا تدارك{[61967]} له والمستقبل أمل وليس لنا إلا الآن ، ثم " الآن " ليس بثابت طرفة عين ، لأن الآن هوالجزء{[61968]} المشترك بين زمانين ، فهم دائماً يترددون بين عذابي النار المذيبة للظاهر والماء المقطع بحره للباطن الذي لا يزال حاضراً لهم تردد الطائف الذي لا أول لتردده ولا آخر .