المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{يَطُوفُونَ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَ حَمِيمٍ ءَانٖ} (44)

وقرأ جمهور الناس : «يَطُوفون » بفتح الياء وضم الطاء وسكون الواو . وقرأ طلحة بن مصرف : «يُطَوّفون » بضم الياء وفتح الطاء وشد الواو . وقرأ أبو عبد الرحمن : «يطافون » ، وهي قراءة علي بن أبي طالب . والمعنى في هذا كله أنهم يترددون بين نار جهنم وجمرها { وبين حميم } وهو ما غلي في جهنم من مائع عذابها . والحميم : الماء السخن . وقال قتادة : إن العذاب الذي هو الحميم يغلي منذ خلق الله جهنم . وأنى الشيء : حضر ، وأنى اللحم أو ما يطبخ أو يغلى : نضج وتناهى حره والمراد منه . ويحتمل قوله : { آن } أن يكون من هذا ومن هذا . وكونه من الثاني أبين ، ومنه قوله تعالى : { غير ناظرين إناه }{[10838]} [ الأحزاب : 53 ] ومن المعنى الآخر قول الشاعر [ عمرو بن حسان الشيباني ] : [ الوافر ]

*** أنى ولكل حاملة تمام{[10839]}

ويشبه أن يكون الأمر في المعنيين قريباً بعضه من بعض ، والأول أعم من الثاني .


[10838]:من الآية (53) من سورة (الأحزاب).
[10839]:هذا عجز بيت استشهد به صاحب اللسان في (أنى)، ولم ينسبه، قال:"ابن الأنباري: الأنى من بلوغ الشيء منتهاه، مقصور يكتب بالياء، وقد أنى يأني، وقال: تمخضت المنون له بيوم أنى ولكل حاملة تمام أي أدرك وبلغ". وذكره في التاج ونسبه إلى عمرو بن حسان. وتمخض أصله: تحرك وتهيأ، والمراد هنا أن المنون أتت له بهذا اليوم الذي كان لا بد أن يأتي، وقد أدرك وبلغ كما أن كل حمامة لا بد أن تتم حملها وتلد.