اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَطُوفُونَ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَ حَمِيمٍ ءَانٖ} (44)

قوله تعالى : «يَطُوفُونَ » .

قراءة العامة : «يَطُوفون » من «طاف » ، وعلي بن أبي طالب{[54517]} - رضي الله عنه - وأبو عبد الرحمان : «يُطَافُونَ » مبنيًّا للمفعول ، من أطافهم غيرهم .

والأعمش{[54518]} وطلحة وابن مقسم : «يُطَوِّفُون » بضم الياء وفتح الطاء وكسر الواو مشددة ، أي يطوفون أنفسهم .

وقرأت فرقة : «يَطَّوَّفُونَ » بتشديد الطَّاء والواو ، والأصل : «يتطوّفون » .

قوله تعالى : { حَمِيمٍ آنٍ } أي : حَارّ متناهٍ في الحرارة ، وهو منقوص ك «قاض » يقال : «أتَى يَأتِي فهو آتٍ » ك «قَضَى يَقْضِي فهو قَاضٍ » . وقد تقدم في «الأحزاب » .

قال قتادة : يطوفون مرة بين الحميم ، ومرة بين الحميم والجحيم{[54519]} .

و«الحميم » : الشّراب . وفي قوله تعالى : «آنٍ » ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه الذي انتهى حرّه وحميمه . قاله ابن عبَّاس ، وسعيد بن جبير ، والسدي{[54520]} ، ومنه قول النابغة الذبياني : [ الوافر ]

وتُخْضَبُ لِحْيَةٌ غَدَرَتْ وخَانَتْ *** بأحْمَرَ مِنْ نَجِيعِ الجَوْفِ آنِ{[54521]}

وقال قتادة : «آن » طبخ منذ خلق الله السماوات والأرض{[54522]} ، يقول : إذا استغاثوا من النار جعل غياثهم ذلك .

وعن كعب : أنه الحاضر ، وعنه أيضاً : «آن » اسم واد من أودية جهنّم .

وقال مجاهد : إنه الذي قد آنَ شربه ، وبلغ غايته .


[54517]:ينظر: المحرر الوجيز 5/232، والبحر المحيط 8/194، والدر المصون 6/245.
[54518]:السابق.
[54519]:تقدم.
[54520]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/600 - 601) عن ابن عباس والضحاك وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/201) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
[54521]:ينظر ديوانه ص 113، ومجاز القرآن 2/245، ومعاني القرآن للأخفش ص 65، وإعراب القرآن للنحاس 4/313، والمحتسب 1/367، والطبري 27/84، والقرطبي 17/114.
[54522]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/601) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/201) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد.