كما نسيتم : كما تركتم وأعرضتم عن آيات الله وأنكرتم لقاء ربكم في هذا اليوم .
ويقال لهؤلاء المشركين : اليومَ نترككم في العذاب وننساكم فيه ، كما تركتم العملَ للقاءِ يومكم هذا ، { وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } ينصرونكم اليوم .
فالله تعالى جمع لهم ثلاثة ألوان من العذاب : قطْع الرحمة عنهم ، وجعل مأواهم النار ، وعدم وجود من ينصرهم .
{ وقيل } أي لهم على قطع الأحوال وأشدها قولاً لا معقب له ، فكأنه بلسان كل قائل : { اليوم ننساكم } أي نفعل معكم بالترك من جميع ما يصلحكم فعل-{[58391]} المنسي الذي نقطع{[58392]} عنه جميع إحساننا فيأتيه كل شر { كما نسيتم } وأضاف{[58393]} المصدر إلى ظرفه لما فيه من الرشاقة والبلاغة فقال تعالى : { لقاء يومكم هذا } أي الذي{[58394]} عملتم في أمره عمل الناسي له ، ومن نسي لقاء اليوم نسيء{[58395]} لقاء الكائن فيه بطريق الأولى ، وقد عابهم{[58396]} الله سبحانه تعالى بذلك أشد العيب{[58397]} لأن ما عملوه ليس من فعل الحزمة أن يتركوا ما ضرره محتمل لا يعتدون له ، وإنما هذا فعل الحمق الذين هم عندهم أسقاط لا-{[58398]} عبرة بهم ولا وزن لهم ، وعبر بالنسيان ؛ لأن علمه مركوز في طبائعهم ، وعبر في فعله بالمضارع ليدل على الاستمرار ، وفي فعلهم بالماضي ليدل على أن من وقع {[58399]}منه ذلك{[58400]} وقتاً ما وإن قل كان على خطر عظيم بتعريض نفسه لاستمرار الإعراض عنه .
ولما كان تركه على هذا الحال يلزم منه استمرار العذاب ، صرح به إيضاحاً له لئلا يظن غير ذلك ، فقال مبيناً لحالهم : { ومأواكم النار } ليس لكم براح عنها أصلاً ، لأن أعمالكم أدخلتكموها ، ولا يخرج منها إلا من أذنا في إخراجه ، نحن قد جعلناكم في عداد المنسي فلا يكون من قبلنا لكم فرج { وما لكم } في نفس الأمر سواء أفكرتم وأنتم مكذبون{[58401]} في مدافعة هذا اليوم أو تركتموه ترك المنسي { من ناصرين * } ينقذونكم من ذلك بشفاعة ولا مقاهرة .