في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَوَلَمۡ تَكُ تَأۡتِيكُمۡ رُسُلُكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ قَالُواْ بَلَىٰۚ قَالُواْ فَٱدۡعُواْۗ وَمَا دُعَـٰٓؤُاْ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٍ} (50)

21

ولكن خزنة جهنم لا يستجيبون لهذه الضراعة البائسة الذليلة الملهوفة . فهم يعرفون الأصول . ويعرفون سنة الله ، ويعرفون أن الأوان قد فات . وهم لهذا يزيدون المعذبين عذاباً بتأنيبهم وتذكيرهم بسبب هذا العذاب :

( وقالوا : أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات ? . . قالوا : بلى ) .

وفي السؤال وفي جوابه ما يغني عن كل حوار . وعندئذ نفض الخزنة أيديهم منهم ، وأسلموهم إلى اليأس مع السخرية والاستهتار :

( قالوا : فادعوا ) . .

إن كان الدعاء يغير من حالكم شيئاً ، فتولوا أنتم الدعاء .

وتعقب الآية قبل تمامها على هذا الدعاء :

( وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) . .

لا يبلغ . ولا يصل . ولا ينتهي إلى جواب . إنما هو الإهمال والازدراء للكبراء والضعفاء سواء .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَوَلَمۡ تَكُ تَأۡتِيكُمۡ رُسُلُكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ قَالُواْ بَلَىٰۚ قَالُواْ فَٱدۡعُواْۗ وَمَا دُعَـٰٓؤُاْ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٍ} (50)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

فردت عليهم الخزنة ف {قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم} يعني رسل منكم.

{بالبينات} يعني بالبيان {قالوا بلى} قد جاءتنا الرسل.

{قالوا} قالت لهم الخزنة: {فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"قالُوا أوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بالبَيّناتِ": قالت خزنة جهنم لهم: أو لم تك تأتيكم في الدنيا رسلكم بالبينات من الحجج على توحيد الله، فتوحدوه وتؤمنوا به، وتتبرؤوا مما دونه من الآلهة؟ قالوا: بلى، قد أتتنا رسلنا بذلك.

"قالُوا فادْعُوا": قالت الخزنة لهم: فادعوا إذن ربكم الذي أتتكم الرسل بالدعاء إلى الإيمان به.

"وَما دُعاءُ الكافِرِينَ إلاّ فِي ضَلالٍ": قد دعوا وما دعاؤهم إلا في ضلال؛ لأنه دعاء لا ينفعهم، ولا يستجاب لهم، بل يقال لهم: "اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلّمُونَ"...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{قَالُواْ فادعوا} أنتم، فإنا لا نجترئ على ذلك ولا نشفع إلاّ بشرطين: كون المشفوع له غير ظالم، والإذن في الشفاعة مع مراعاة وقتها، وذلك قبل الحكم الفاصل بين الفريقين، وليس قولهم {فادعوا} لرجاء المنفعة، ولكن للدلالة على الخيبة؛ فإن الملك المقرّب إذا لم يسمع دعاؤه، فكيف يسمع دعاء الكافر...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

الفاءُ في قولِه تعالَى: {قَالُواْ فادعوا} فصحيةٌ، أيْ إذَا كانَ الأمرُ كذلكَ فادعُوا أنتُم فإنَّ الدعاءَ لمن يفعلُ ذلكَ مما يستحيلُ صدورُه عنَّا؛ وتعليلُ امتناعِهم عنِ الدعاءِ بعدمِ الإذنِ فيه معَ عرائِه عن بيانِ أنَّ سبَبهُ من قبلِهم كَما تُفصحُ عنه الفاءُ رُبَّما يُوهُم أنَّ الإذنَ في حيزِ الإمكانِ وأنَّهم لو أُذنَ لهم فيهِ لفعلُوا، ولم يريدُوا بأمرِهم بالدعاءِ إطماعَهُم في الإجابةِ، بل إقناطَهم منَها وإظهارَ خيبتهم حسبما صرَّحُوا بهِ في قولِهم: {وَمَا دُعَاء الكافرين إِلاَّ فِي ضلال} أي ضياعٍ وبُطلانٍ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

لكن خزنة جهنم لا يستجيبون لهذه الضراعة البائسة الذليلة الملهوفة. فهم يعرفون الأصول. ويعرفون سنة الله، ويعرفون أن الأوان قد فات. وهم لهذا يزيدون المعذبين عذاباً بتأنيبهم وتذكيرهم بسبب هذا العذاب: (وقالوا: أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات؟.. قالوا: بلى). وفي السؤال وفي جوابه ما يغني عن كل حوار. وعندئذ نفض الخزنة أيديهم منهم، وأسلموهم إلى اليأس مع السخرية والاستهتار: (قالوا: فادعوا).. إن كان الدعاء يغير من حالكم شيئاً، فتولوا أنتم الدعاء. وتعقب الآية قبل تمامها على هذا الدعاء: (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال).. لا يبلغ. ولا يصل. ولا ينتهي إلى جواب. إنما هو الإهمال والازدراء للكبراء والضعفاء سواء...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

الواو في قوله: {أوَلَمْ تَكُ تَأتِيكُم رُسُلُكُم} لم يعرج المفسرون على موقعها. وهي واو العطف عطف بها (خزنة جهنم) كلامهم على كلام الذين في النار من قَبيل طريقة عطف المتكلم كلاماً على كلامٍ صدر من المخاطب إيماء إلى أن حقه أن يكون من بقية كلامه وأن لا يُغفِله، وهو ما يلقب بعطف التلقين كقوله تعالى: {قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي} [البقرة: 124]، فإن أهل النار إذا تذكروا ذلك علموا وجاهة تنصل خزنة جهنم من الشفاعة لهم.

وتفريع {فادعوا} على ذلك ظاهر على كلا التقديرين. وهمزة الاستفهام مقدمة من التأخير على التقديرين لوجوب صدارتها.

وجملة {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}...يجوز أن تكون من كلام الله تعالى تذييلاً واعتراضاً.

والبينات: الحجج الواضحة والدعَوات الصريحة إلى اتباع الهدى.

وزيادة فعل الكَون في {أوَلَمْ تَكُ تَأتِيكم} للدلالة على أن مجيء الرسل إلى الأمم أمر متقرر محقّق، لما يدل عليه فعل الكَون من الوجود بمعنى التحقق، وأما الدلالة على أن فعل الإِتيان كان في الزمن الماضي فهو مستفاد من (لَم) النافية في الماضي. والضلال: الضياع، وأصله: خطأ الطريق، كما في قوله تعالى: {أإذا ضللنا في الأرض أإنا لفي خلق جديد} [السجدة: 10]. والمعنى: أن دعاءهم لا ينفعهم ولا يُقبل منهم، وسواء كان قوله: {وَمَا دُعاء الكافرين إلاَّ فِي ضلال} من كلام الملائكة أو من كلام الله تعالى فهو مقتض عموم دعائهم؛ لأن المصدر المضاف من صيغ العموم، فيقتضي أن دعاء الكافرين غير متقبل في الآخرة وفي الدنيا؛ لأن عموم الذوات يستلزم عموم الأزمنة والأمكنة. وأما ما يوهم استجابة دعاء الكافرين نحو قوله تعالى: {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها} [الأنعام: 63، 64] وقوله: {دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق} [يونس: 22، 23]، فظاهر أن هذه لا تدل على استجابة كرامة ولكنها لتسجيل كفرهم ونكرانهم، وقد يُتوهم في بعض الأحوال أن يَدْعو الكافر فيقع ما طَلبه، وإنما ذلك لمصادفة دعائه وقَت إجابة دعاء غيره من الصالحين، وكيف يستجاب دعاء الكافر وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم استبعاد استجابة دعاء المؤمن الذي يأكل الحرام ويلبس الحرام في حديث مسلم عن أبي هريرة: « ذَكَر رسول الله صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يُطيلُ السَّفَر أشعثَ أَغْبَرَ يُمدُّ يديْه إلى السماء: يا رَبِّ يا رَبِّ، ومطعَمُه حَرام ومَشْرَبُه حرام وغُذّي بالحرام فأنَّى يستجاب له». ولهذا لم يقل الله: فلما استجاب دعاءهم وإنما قال: فلما نجاهم؛ أي لأنه قدّر نجاتهم من قبل أن يدعوا أو لأن دعاءهم صادف دعاء بعض المؤمنين...

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَوَلَمۡ تَكُ تَأۡتِيكُمۡ رُسُلُكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ قَالُواْ بَلَىٰۚ قَالُواْ فَٱدۡعُواْۗ وَمَا دُعَـٰٓؤُاْ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٍ} (50)

" أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال " الخبر بطوله . وفي الحديث عن أبي الدرداء خرجه الترمذي وغيره قال : يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب ، فيستغيثون منه فيغاثون بالضريع لا يسمن ولا يغني من جوع ، فيأكلونه لا يغني عنهم شيئا ، فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة فيغصون به ، فيذكرون أنهم كانوا في الدنيا يجيزون الغصص بالماء ، فيستغيثوا بالشراب فيرفع لهم الحميم بالكلاليب ، فإذا دنا من وجوههم شواها ، فإذا وقع في بطونهم قطع أمعاءهم وما في بطونهم ، فيستغيثون بالملائكة يقولون : " ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب " فيجيبوهم " أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال " أي : خسار وتبار .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ أَوَلَمۡ تَكُ تَأۡتِيكُمۡ رُسُلُكُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ قَالُواْ بَلَىٰۚ قَالُواْ فَٱدۡعُواْۗ وَمَا دُعَـٰٓؤُاْ ٱلۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٍ} (50)

ثم تجيبهم ملائكة النار الخزنة { أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } استفهام توبيخ وتعنيف وإلزام للحجة وإشعار بعدم الجدوى من التذلل والندامة ؛ فقد مضى وقت التضرع والدعاء ؛ إذ كانت الدنيا زمانا لذلك فهي دار اختبار وابتلاء وعمل وتبليغ ؛ فقد بعث الله فيهم رسله يبلغونهم دعوته وينذرونهم لقاء يومهم هذا فأعرضوا وجحدوا واستكبروا فإذا نقضت الحياة الدنيا ووقعت الواقعة فحينئذ لا ينفع العمل أو الدعاء ولا تجدي الضراعة والتوبة .

قوله : { قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا } أقروا بتفريطهم وخطيئتهم ؛ إذ جحدوا نبوة المرسلين وكذبوا بما جاءوهم به . فقالت لهم الملائكة على سبيل التهكم والتيئيس زيادة في التنكيل بهم { فَادْعُوا } أي ادعوا أنتم أن يخفف عنكم شيئا من العذاب فإن لا نجترئ على مثل هذا الدعاء { وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ } لا يستجاب للكافرين في النار دعاء . وأيما دعاء لهم حينئذ إنما هو ضرب من اليأس والعبث وهو صائر إلى البطلان والخيبة{[4024]} .


[4024]:الكشاف ج 3 ص 430-431 وتفسير النسفي ج 4 ص 81.