الآية 50 [ فردّ عليهم الخزنة ، و ]{[18300]} { قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ } فلما أيسوا منهم ومما سألوهم من تخفيف العذاب عنهم ، عند ذلك فزعوا إلى الله تعالى ، وهو قولهم : { ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل } [ فاطر : 37 ] وقولهم : { ربنا أخّرنا إلى أجل قريب نُجِب دعوتك ونتّبع الرسل } [ إبراهيم : 44 ] لم يفزعوا إلى الله تعالى إلا بعد ما انقطع رجاؤهم منهم ، وأيِسوا ، وبالله العصمة والنجاة .
وقد استُدلّ بقوله تعالى : { قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى } من لا يرى الحجة ، فالحكم يلزمهم بمجرد العقل دون الرسل عليهم السلام حين{[18301]} احتج عليهم الخزنة بتكذيبهم الرسل وردّهم البينات التي أتتهم [ بها ]{[18302]} الرسل . واستدل أيضا بقوله : { وما كنا معذّبين حتى نبعث رسولا } [ الإسراء : 15 ] وبقوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ } [ طه : 134 ] وبقوله تعالى : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا } [ القصص : 59 ] وغيرها من الآيات التي فيها أنه لا يعذّبهم إلا بعد ما قامت عليهم الحجة من جهة الرسل ، ولزمهم الحكم بهم . فعند ذلك يُعذَّبون . لكن تأويل الآية يخرّج عندنا على وجهين :
أحدهما : أن يكون ذلك في قوم خاص : الذين لا يرون لزوم الحجة والحكم إلا من جهة الرسالة ، فيحتج عليهم بما كانوا يرون به ليكون أقرب إلى الإلزام والحجة ، وإن كان يجوز أن يحتج عليهم بما هو حجة ، وهم لا يرونها حجة ، والله أعلم .
والثاني : إنما ذكر ذلك على المبالغة والنهاية في الحجة ، وإن كانت الحجة قد تلزمهم ، والحكم قد ثبت بدون ذلك ، وهو العقل لأن إرسال الرسل وإقامة المعجزات أقرب إلى الوصول إلى الحق . وقد أقام كلا الحُجّتين ، فذكر{[18303]} أظهر الحجّتين ليكون أقرب إلى إظهار عنادهم . وهذا كما في تعذيب الكفرة في الدنيا أنهم لم يعذَّبوا بنفس الكفر حتى كان منهم مع الكفر الاستهزاء بالرسل والعناد لهم وغير ذلك .
وإنما كانوا يستوجبون العذاب بنفس الكفر /479– أ/ لكن ترك تعذيبهم حتى يبلغوا النهاية والإبلاغ في التكذيب والعناد ، وهو كقوله تعالى : { الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون } [ فصلت : 7 ] ذكر هذا على النهاية والإبلاغ في الجناية منهم . وإن كانوا يستوجبون العذاب بجحودهم الزكاة دون جحود البعث أو جحود البعث دون جحود الزكاة .
فعلى ذلك الآيات التي ذكرها هي على الإبلاغ والنهاية ، وإن كانت الحجة تلزمهم ، والحكم يثبُت بدون الرسل ، والله الموفّق .
وبعد فإن قوله : { وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ } [ طه : 134 ] [ دلالة ]{[18304]} أن الحجة والحكم قد لزمهم بدون الرسل ، لأنه لو لم يلزم لكان في التعذيب ظالما ، لأنه يعذِّب قبل أن يلزمهم الحكم ، فيصير تقدير الآية : ولو أنا ظلمناهم { بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ } ]{[18305]} فلا تكون ظالما في ما عذّبتنا ، والظلم من الله تعالى محال ، فيستحيل تقدير الآية على هذا الوجه .
دلّ أن التعذيب قيل الرسل عدل وحكمة ، وليس بظلم ، والله الموفّق .
وبعد فإن في قوله : { ألوم تك تأتيكم رسلكم بالبينات } دلالة أن الحجة إنما تلزم بالبينات لا بنفس الرسل ، والبينات قد وُجدت ، وسبب المعرفة وطريقها ، وهو العقل ، قائم .
وقوله تعالى : { وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } ليس على الأمر بالدعاء ، ولكن معناه : إنكم ، وإن دعوتكم فلا تنفعكم دعوتكم كقوله : { لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا } [ الفرقان : 14 ] أي هلاكا ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.