جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
كان بعض أهل العربية يوجه تأويل ذلك إلى : وما لأحد من خلق الله عند هذا الذي يؤتى ماله في سبيل الله يتزكى "مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى" يعني : من يد يكافئه عليها ، يقول : ليس ينفق ما ينفق من ذلك ، ويعطى ما يعطى ، مجازاة إنسان يجازيه على يد له عنده ، ولا مكافأة له على نعمة سلفت منه إليه ، أنعمها عليه ، ولكن يؤتيه في حقوق الله ابتغاء وجه الله . قال : و"إلا" في هذا الموضع بمعنى لكن، وقال : يجوز أن يكون الفعل في المكافأة مستقبلاً ، فيكون معناه : ولم يُرِد بما أنفق مكافأة من أحد ، ويكون موقع اللام التي في أحد في الهاء التي خفضتها عنده ، فكأنك قلت : وما له عند أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها ... وهذا الذي قاله الذي حكينا قوله من أهل العربية ، وزعم أنه مما يجوز هو الصحيح الذي جاءت به الآثار عن أهل التأويل وقالوا : نزلت في أبي بكر بعَتْقه من أعتق ... عن قتادة "وَما لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إلاّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى" يقول : ليس به مثابة الناس ولا مجازاتهم ، إنما عطيته لله ...
عن قتادة ، في قوله : "وَما لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى" قال : نزلت في أبي بكر ، أعتق ناسا لم يلتمس منهم جزاء ولا شكورا ، ستة أو سبعة ، منهم بلال ، وعامر بن فُهَيرة .
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
... المعنى: إلا ابتغاء ثواب الله وطلب رضوانه . ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
مستثنى من غير جنسه وهو النعمة أي : ما لأحد عنده نعمة إلاّ ابتغاء وجه ربه ،ويجوز أن يكون { ابتغاء وَجْهِ رَبِّهِ } مفعولاً له على المعنى ، لأنّ معنى الكلام : لا يؤتي ماله إلاّ ابتغاء وجه ربه ، لا لمكافأة نعمة .
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ ابتغاء } أي طلب وقصد ، ولفت القول إلى صفة الإحسان إشارة إلى وصفه بالشكر فقال : { وجه ربه } الذي أوجده ورباه وأحسن إليه بحيث إنه لم ير إحساناً إلا منه ولا عنده شيء إلا وهو من فضله { الأعلى } أي مطلقاً فهو أعلى من كل شيء ، فلا يمكن أن يعطي أحد من نفسه شيئاً يقع مكافأة له .... وقد آل الأمر بهذه العبارة الرشيقة والإشارة الأنيقة مع ما أومأت إليه من الترغيب ، وأعطته من التحبيب إلى أن المعنى : إنه لا نعمى عليه لأحد في ذلك إلا لله ، وعبر بالوجه إشارة إلى أن قصده أعلى القصود فلا نظر له إلا إلى ذاته سبحانه وتعالى التي عبر عنها بالوجه لأنه أشرف الذات ، وبالنظر إليه تحصل الحياة والرغبة والرهبة ، لا إلى طلب شيء من دنيا ولا آخرة . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الآيات المذكورة أعلاه تقول : إنفاق المؤمنين الأتقياء ليس رياء ولا ردّاً على خدمات سابقة قدمت إليهم ، بل دافعها رضا اللّه لا غير ، ومن هنا كان إنفاقهم ذا قيمة كبرى . التعبير بكلمة «وجه » هنا يعني «الذات » ، أي رضا ذات الباري تقدست أسماؤه . وعبارة «ربّه الأعلى » تشير إلى أن هذا الإنفاق يتمّ عن معرفة كاملة . . . عن معرفة بربوبية الباري تعالى ، وعلم بمكانته السامية العليا ، وهذا الاستثناء ينفي أيضاً كلّ نية منحرفة ، مثل الإنفاق من أجل السمعة والوجاهة وأمثالها . . . ويجعله منحصراً في طلب رضا اللّه سبحانه . ...
قوله تعالى : " وما لأحد عنده من نعمة تجزى " أي ليس يتصدق ليجازي على نعمة ، إنما يبتغي وجه ربه الأعلى ، أي المتعالي " ولسوف يرضى " أي بالجزاء . فروى عطاء والضحاك عن ابن عباس قال : عذب المشركون بلالا ، وبلال يقول أحد أحد ، فمر به النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال : [ أحد - يعني اللّه تعالى - ينجيك ] ثم قال لأبي بكر : [ يا أبا بكر إن بلالا يعذب في اللّه ] فعرف أبو بكر الذي يريد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فانصرف إلى منزله ، فأخذ رطلا من ذهب ، ومضى به إلى أمية بن خلف ، فقال له : أتبيعني بلالا ؟ قال : نعم ، فاشتراه فأعتقه . فقال المشركون : ما أعتقه أبو بكر إلا ليد كانت له عنده ، فنزلت " وما لأحد عنده " أي عند أبي بكر " من نعمة " ، أي من يد ومنة ، " تجزى " بل " ابتغاء " بما فعل " وجه ربه الأعلى " . وقيل : اشترى أبو بكر من أمية وأبي بن خلف بلالا ، ببردة وعشر أواق ، فأعتقه لله ، فنزلت : " إن سعيكم لشتى " [ الليل : 4 ] . وقال سعيد بن المسيب : بلغني أن أمية بن خلف قال لأبي بكر حين قال له أبو بكر : أتبيعنيه ؟ فقال : نعم ، أبيعه بنسطاس ، وكان نسطاس عبدا لأبي بكر ، صاحب عشرة آلاف دينار وغلمان وجوار ومواش ، وكان مشركا ، فحمله أبو بكر على الإسلام ، على أن يكون ماله ، فأبى ، فباعه أبو بكر به . فقال المشركون : ما فعل أبو بكر ببلال هذا إلا ليد كانت لبلال عنده ، فنزلت " وما لأحد عنده من نعمة تجزى . إلا ابتغاء " أي لكن ابتغاء ، فهو استثناء منقطع ؛ فلذلك نصبت . كقولك : ما في الدار أحد إلا حمارا . ويجوز الرفع . وقرأ يحيى بن وثاب " إلا ابتغاء وجه ربه " بالرفع ، على لغة من يقول : يجوز الرفع في المستثنى . وأنشد في اللغتين قول بشر بن أبي خازم :
أضحت خلاءً قِفَاراً لا أنيسَ بها *** إلا الجآذرَ والظلمانَ تختلفُ{[16125]}
وبلدة ليس بها أنيس *** إلا اليعافيرُ وإلا العيسُ{[16126]}
وفي التنزيل : " ما فعلوه إلا قليل منهم{[16127]} " [ النساء : 66 ] وقد تقدم . " وجه ربه الأعلى " أي مرضاته وما يقرب منه . و " الأعلى " من نعت الرب الذي استحق صفات العلو . ويجوز أن يكون " ابتغاء وجه ربه " مفعولا له على المعنى ؛ لأن معنى الكلام : لا يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه ، لا لمكافأة نعمته . " ولسوف يرضى " أي سوف يعطيه في الجنة ما يرضي ، وذلك أنه يعطيه أضعاف ما أنفق . وروى أبو حيان التيمي عن أبيه عن علي رضي اللّه عنه ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : [ رحم اللّه أبا بكر زوجني ابنته ، وحملني إلى دار الهجرة ، وأعتق بلالا من ماله ] . ولما اشتراه أبو بكر قال له بلال : هل اشتريتني لعملك أو لعمل اللّه ؟ قال : بل لعمل اللّه قال : فذرني وعمل اللّه ، فأعتقه . وكان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا يعني بلالا رضي اللّه عنه . وقال عطاء - وروى عن ابن عباس - : إن السورة نزلت في أبي الدحداح ، في النخلة التي اشتراها بحائط له ، فيما ذكر الثعلبي عن عطاء . وقال القشيري عن ابن عباس : بأربعين نخلة ، ولم يسم الرجل . قال عطاء : كان لرجل من الأنصار نخلة ، يسقط من بلحها في دار جار له ، فيتناول صبيانه ، فشكا ذلك إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم . [ تبيعها بنخلة في الجنة ] ؟ فأبى ، فخرج فلقيه أبو الدحداح فقال : هل لك أن تبيعنيها ب " حسنى " : حائط له . فقال : هي لك . فأتى أبو الدحداح إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقال : يا رسول اللّه ، اشترها مني بنخلة في الجنة . قال : [ نعم ، والذي نفسي بيده ] فقال : هي لك يا رسول اللّه ، فدعا النبي صلى اللّه عليه وسلم جار الأنصاري ، فقال : [ خذها ] فنزلت " والليل إذا يغشى " [ الليل : 1 ] إلى آخر السورة في بستان أبي الدحداح وصاحب النخلة . " فأما من أعطى واتقى " يعني أبا الدحداح . " وصدق بالحسنى " أي بالثواب . " فسنيسره لليسرى " : يعني الجنة . " وأما من بخل واستغنى " يعني الأنصاري . " وكذب بالحسنى " أي بالثواب . " فسنيسره للعسرى " ، يعني جهنم . " وما يغني عنه ماله إذا تردى " أي مات . إلى قوله : " لا يصلاها إلا الأشقى " يعني بذلك الخزرجي ، وكان منافقا ، فمات على نفاقه . " وسيجنبها الأتقى " يعني أبا الدحداح . " الذي يؤتي ماله يتزكى " في ثمن تلك النخلة . " ما لأحد عنده من نعمة تجزى " يكافئه عليها ، يعني أبا الدحداح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.