الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ} (20)

{ إِلاَّ } لكن { ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى } بثواب الله في العقبى عوضاً مما فعل في الدنيا .

وأخبرنا أبو القاسم يعقوب بن أحمد بن السري العروضي في درب الحاجب قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله العماني الحفيد قال : حدّثنا أحمد بن نصر بن خفيف القلانسي الرقّاء قال : حدّثنا محمد بن جعفر بن سوّار بن سنان في سنة خمس وثمانين ومائتين قال : حدّثنا علي ابن حجر ، عن إسحاق بن نجح ، عن عطاء قال : " كان لرجل من الأنصار نخلة ، وكان له جار ، فكان يسقط من بلحها في دار جاره ، فكان صبيانه يتناولون ، فشكا ذلك الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي ( عليه السلام ) " بعنيها بنخلة في الجنة " ، فأبى قال : فخرج ، فلقيه أبو الدحداح ، فقال : هل لك أن تبيعها بجبس ؟ يعني حائطاً له ، فقال : هي لك ، قال : فأتى النبي ( عليه السلام ) ، فقال : يا رسول الله اشترها منّي بنخلة في الجنة ، قال : نعم ، قال : هي لك ، فدعا النبي ( عليه السلام ) جار الأنصاري ، فأخدها ، فأنزل الله سبحانه وتعالى { وَالْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } إلى قوله : { إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى } أبو الدحداح والأنصاري صاحب النخلة " .

{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى } أبو الدحداح { وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى } يعني الثواب { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى } يعني الجنة .

{ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى } يعني الأنصاري { وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى } يعني الثواب { فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى } يعني النار ، { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى } يعني به إذا مات كما في قوله : { فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى * لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ الأَشْقَى } صاحب النخلة { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى } يعني أبا الدحداح { الَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى } يعني أبا الدحداح { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى } يكافئه بها ، يعني أبا الدحداح { إِلاَّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى } إذا أدخله الجنة . " فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بذلك بجبس وعذوقه دانية ، فيقول : " عذوق وعذوق لأبي الدحداح في الجنة " .