اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ} (20)

قوله : { إِلاَّ ابتغآء وَجْهِ رَبِّهِ } . في نصب «إلاَّ ابتِغَاءَ » وجهان :

أحدهما : أنه مفعول له قال الزمخشري{[60361]} : «ويجوز أن يكون مفعولاً له على المعنى ؛ لأن المعنى : لا يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه ، لا لمكافأة نعمة » . وهذا أخذه من قول الفراء ، فإنه قال : ونصب على تأويل : ما أعطيتك ابتغاء جزائك ، بل ابتغاء وجه الله تعالى .

والثاني : أنه منصوب على الاستثناء المنقطع ، إذ لم يندرج تحت جنس «مِنْ نِعْمَةٍ » وهذه قراءة العامة ، أعني : النصب ، والمد .

وقرأ يحيى{[60362]} : برفعه ممدوداً على البدل من محل «نِعْمَةٍ » ؛ لأن محلها الرفع ، إما على الفاعلية ، وإما على الابتداء ، و «من » مزيدة في الوجهين ، والبدل لغة تميم ؛ لأنهم يجرون المنقطع في غير الإيجاب مجرى المتصل ، وأنشد الزمخشري{[60363]} بالوجهين : النصب ؛ والبدل قول بشر بن أبي خازم : [ البسيط ]

5230- أضْحَتْ خَلاَءً قِفَاراً لا أنِيَ بِهَا *** إلاَّ الجَآذِرَ والظُّلْمَانَ تَخَتَلِفُ{[60364]}

وقول القائل في الرفع : [ الرجز ]

5231- وبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أنيسُ *** إلاَّ اليَعافِيرُ وإلاَّ العيسُ{[60365]}

وفي التنزيل : { مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ } [ النساء : 66 ] .

وقال مكي : «وأجاز الفَرَّاءُ الرفع في «ابتغاء » على البدل في موضع «نعمة » ، وهو بعيد » .

قال شهاب الدين{[60366]} : «كأنه لم يطلع عليها قراءة ، واستبعاده هو البعيد ، فإنها لغة فاشية » .

وقرأ ابن أبي{[60367]} عبلة : «ابتغا » بالقصر .

فصل في سبب نزول الآية

روى عطاء ، والضحاك عن ابن عباس ، قال : عذَّب المشركون بلالاً ، وبلال يقول : أحدٌ أحدٌ فمرَّ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : «أحَدٌ ، يعني اللهُ يُنْجِيْكَ بِهَا » ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكرٍ - رضي الله عنه - : «يا أبا بكرٍ إنَّ بلالاً يُعذَّبُ في الله »ِ ، فعرفَ أبو بكرٍ الذي يُرِيدُهُ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فانصرفَ إلى مَنْزلهِ ، فأخذَ رَطْلاً مِنْ ذهبٍ ومضى به إلى أمية بن خلفٍ ، فقال له : أتبيعني بلالاً ؟ قال : نعم ، فاشتراه ، فأعتقه أبو بكر - رضي الله عنه - لا ليدٍ كانت له عنده ، فنزلت { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ } ، أي : عند أبي بكر «مِنْ نَعْمَةٍ » أي : مزية ومنّةٍ «تُجْزَى » بل ابتغى بما فعل وجه ربِّه الأعلى{[60368]} .

قال بعضهم : المراد ابتغاء ثوابه وكرامته لأن ابتغاء ذاته محال ، وقال بعضهم : لا حاجة إلى هذا الإضمار ، بل حقيقة هذه المسألة ترجع إلى أن العبد هل يمكن أن يحب ذات الله ، والمراد من هذه المحبة ذاته ، وكرامته . ذكره ابن الخطيب{[60369]} .

والأعلى من نعت الربِّ الذي استحق صفات العلو ، ويجوز أن يكون ابتغاء وجه ربه لا لمكافأة نعمة ]{[60370]} .


[60361]:السابق 4/765.
[60362]:ينظر: البحر المحيط 8/379، والدر المصون 6/536.
[60363]:الكشاف 4/764.
[60364]:ينظر الكشاف 4/764، والقرطبي 20/60، والبحر 8/479 والدر المصون 6/536.
[60365]:البيت لجران العود، واسمه عامر بن الحارث. ينظر الديوان ص 53 والكتاب 1/453، 2/322، و المقتضب 2/619، 346، 414، وابن يعيش 2/80، 117، 7/52، والأشموني 2/147، والتصريح 1/353، والهمع 1/225، 2/144 والدرر اللوامع 1/192، 2/202، والعيني 2/107، ومعاني القرآن للفراء 3/273 والكشاف 4/764، والبحر 8/479، والقرطبي 20/60، والدرر المصون 6/536.
[60366]:الدر المصون 6/536.
[60367]:ينظر: البحر المحيط 8/479، والدر المصون 6/536.
[60368]:ينظر تفسير البغوي 8/479، والدر المصون 6/536.
[60369]:ينظر : الفخر الرازي 31/187.
[60370]:سقط من ب.