قوله : { إِلاَّ ابتغآء وَجْهِ رَبِّهِ } . في نصب «إلاَّ ابتِغَاءَ » وجهان :
أحدهما : أنه مفعول له قال الزمخشري{[60361]} : «ويجوز أن يكون مفعولاً له على المعنى ؛ لأن المعنى : لا يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه ، لا لمكافأة نعمة » . وهذا أخذه من قول الفراء ، فإنه قال : ونصب على تأويل : ما أعطيتك ابتغاء جزائك ، بل ابتغاء وجه الله تعالى .
والثاني : أنه منصوب على الاستثناء المنقطع ، إذ لم يندرج تحت جنس «مِنْ نِعْمَةٍ » وهذه قراءة العامة ، أعني : النصب ، والمد .
وقرأ يحيى{[60362]} : برفعه ممدوداً على البدل من محل «نِعْمَةٍ » ؛ لأن محلها الرفع ، إما على الفاعلية ، وإما على الابتداء ، و «من » مزيدة في الوجهين ، والبدل لغة تميم ؛ لأنهم يجرون المنقطع في غير الإيجاب مجرى المتصل ، وأنشد الزمخشري{[60363]} بالوجهين : النصب ؛ والبدل قول بشر بن أبي خازم : [ البسيط ]
5230- أضْحَتْ خَلاَءً قِفَاراً لا أنِيَ بِهَا *** إلاَّ الجَآذِرَ والظُّلْمَانَ تَخَتَلِفُ{[60364]}
وقول القائل في الرفع : [ الرجز ]
5231- وبَلْدَةٍ لَيْسَ بِهَا أنيسُ *** إلاَّ اليَعافِيرُ وإلاَّ العيسُ{[60365]}
وفي التنزيل : { مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ } [ النساء : 66 ] .
وقال مكي : «وأجاز الفَرَّاءُ الرفع في «ابتغاء » على البدل في موضع «نعمة » ، وهو بعيد » .
قال شهاب الدين{[60366]} : «كأنه لم يطلع عليها قراءة ، واستبعاده هو البعيد ، فإنها لغة فاشية » .
وقرأ ابن أبي{[60367]} عبلة : «ابتغا » بالقصر .
روى عطاء ، والضحاك عن ابن عباس ، قال : عذَّب المشركون بلالاً ، وبلال يقول : أحدٌ أحدٌ فمرَّ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : «أحَدٌ ، يعني اللهُ يُنْجِيْكَ بِهَا » ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكرٍ - رضي الله عنه - : «يا أبا بكرٍ إنَّ بلالاً يُعذَّبُ في الله »ِ ، فعرفَ أبو بكرٍ الذي يُرِيدُهُ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فانصرفَ إلى مَنْزلهِ ، فأخذَ رَطْلاً مِنْ ذهبٍ ومضى به إلى أمية بن خلفٍ ، فقال له : أتبيعني بلالاً ؟ قال : نعم ، فاشتراه ، فأعتقه أبو بكر - رضي الله عنه - لا ليدٍ كانت له عنده ، فنزلت { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ } ، أي : عند أبي بكر «مِنْ نَعْمَةٍ » أي : مزية ومنّةٍ «تُجْزَى » بل ابتغى بما فعل وجه ربِّه الأعلى{[60368]} .
قال بعضهم : المراد ابتغاء ثوابه وكرامته لأن ابتغاء ذاته محال ، وقال بعضهم : لا حاجة إلى هذا الإضمار ، بل حقيقة هذه المسألة ترجع إلى أن العبد هل يمكن أن يحب ذات الله ، والمراد من هذه المحبة ذاته ، وكرامته . ذكره ابن الخطيب{[60369]} .
والأعلى من نعت الربِّ الذي استحق صفات العلو ، ويجوز أن يكون ابتغاء وجه ربه لا لمكافأة نعمة ]{[60370]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.