الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ} (20)

قوله : { إِلاَّ ابْتِغَآءَ } : في نصبِه وجهان ، أحدهما : أنه مفعولٌ له . قال الزمخشري : " ويجوزُ أَنْ يكونَ مفعولاً له على المعنى ؛ لأنَّ المعنى : لا يُؤْتي مالَه إلاَّ ابتغاءَ وَجْهِ ربه لا لمكافأةِ نعمةٍ " وهذا أَخَذَه مِنْ قولِ الفَرَّاء فإنه قال : " ونُصِبَ على تأويل : ما أعْطَيْتُك ابتغاءَ جزائِك ، بل ابتغاءَ وجهِ اللَّهِ تعالى . والثاني : أنَّه منصوبٌ على الاستثناء المنقطع ، إذ لم يندَرِجْ تحت جنسِ " مِنْ نعمة " وهذه قراءة العامَّةِ ، أعني النصبَ والمدَّ . وقرأ يحيى برفعِه ممدوداً على البدل مِنْ محلِّ " مِنْ نعمة " لأنَّ محلَّها الرفعُ : إمَّا على الفاعليَّةِ ، وإمَّا على الابتداءِ ، و " مِنْ " مزيدةٌ في الوجهَيْن ، والبدلُ لغة تميمٍ ، لأنهم يُجْرُون المنقطعَ في غيرِ الإِيجاب مُجْرى المتصل . وأنشد الزمخشريُّ بالوجهَيْن : النصبِ والبدلِ قولَ بشرِ بنِ أبي خازم :

أَضْحَتْ خَلاءً قِفاراً أَنيسَ بها *** إلاَّ الجآذِرُ والظِّلْمانَُِ تَخْتَلِفُ

وقولَ القائلِ في الرفع :

وبَلْدَةٍ ليس بها أنيسُ *** إلاَّ اليَعافيرُ وإلاَّ العِيْسُ

وقال مكي : " وأجاز الفراء الرفعَ في " ابتغاء " على البدل مِنْ موضع " نِعْمَةٍ " وهو بعيدٌ " قلت : كأنَّه لم يَطِّلِعْ عليها ، قراءةً ، واستبعادُه هو البعيدُ ، فإنَّها لغةٌ فاشيةٌ . وقرأ ابنُ ابي عبلة " ابْتِغا " بالقصر .