في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} (10)

ثم يذكر الفريق الثالث ، فريق السابقين ، يذكرهم فيصفهم بوصفهم : ( والسابقون السابقون ) . . كأنما ليقول إنهم هم هم . وكفى . فهو مقام لا يزيده الوصف شيئا !

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} (10)

السابقون : هم الذين سبقوا إلى عمل الخير في الدنيا .

والطبقة الثالثة ، وهم السابقون إلى الخيرات في الدنيا ، يرتقون إلى الدرجات العليا في الآخرة .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} (10)

وقوله تعالى : { والسابقون السابقون } هو الصنف الثالث من الأزواج الثلاثة ، ولعل تأخير ذكرهم مع كونهم أسبق الأصناف وأقدمهم في الفضل ليردف ذكرهم ببيان محاسن أحوالهم على أن إيرادهم بعنوان السبق مطلقاً معرض عن إحرازهم قصب السبق من جميع الوجوه .

واختلف في تعيينهم فقيل : هم الذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة عند ظهور الحق من غير تلعثم وتوان ، وروى هذا عن عكرمة . ومقاتل ، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون . وحبيب النجار الذي ذكر في يس . وعليّ بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه وكل رجل منهم سابق أمته وعليّ أفضلهم ، وقيل : هم الذين سبقوا في حيازة الكمالات من العلوم اليقينية ومراتب التقوى الواقعة بعد الإيمان ، وقيل : هم الأنبياء عليهم السلام لأنهم مقدموا أهل الأديان ، وقال ابن سيرين : هم الذين صلوا إلى القبلتين كما قال تعالى : { والسابقون الاولون مِنَ المهاجرين والأنصار } [ التوبة : 100 ] وعن ابن عباس هم السابقون إلى الهجرة ، وعن عليّ كرم الله تعالى وجهه هم السابقون إلى الصلوات الخمس ، وأخرج أبو نعيم . والديلمي عن ابن عباس مرفوعاً أول من يهجر إلى المسجد وآخر من يخرج منه .

وأخرج عبد بن حميد : وابن المنذر عن عبادة بن أبي سودة مولى عبادة بن الصامت قال : بلغنا أنهم السابقون إلى المساجد والخروج في سبيل الله عز وجل ، وعن الضحاك هم السابقون إلى الجهاد ، وعن ابن جبير هم السابقون إلى التوبة وأعمال البر ، وقال كعب : هم أهل القرآن ، وفي «البحر » في الحديث " سئل عن السابقين فقال : هم الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم " وقيل : الناس ثلاثة فرجل ابتكر الخير في حداثة سنه ثم دام عليه حتى خرج من الدنيا فهذا هو السابق ، ورجل ابتكر عمره بالذنب وطول الغفلة ثم تراجع بتوبته فهذا صاحب اليمين ، ورجل ابتكر الشر في حداثة سنه ثم لم يزل عليه حتى خرج من الدنيا فهذا صاحب الشمال ، وعن ابن كيسان أنهم المسارعون إلى كل ما دعا الله تعالى إليه ورجحه بعضهم بالعموم ، وجعل ما ذكر في أكثر الأقوال من باب التمثيل ، وأياً ما كان فالشائع أن الجملة مبتدأ وخبر والمعنى { والسابقون } هم الذين اشتهرت أحوالهم وعرفت فخامتهم كقوله

: أنا أبو النجم وشعري شعري *** وفيه من تفخيم شأنهم والإيذان بشيوع فضلهم ما لا يخفى ، وقيل : متعلق السبق مخالف لمتعلق السبق الثاني أي السابقون إلى طاعة الله تعالى { السابقون } إلى رحمته سبحانه ، أو { السابقون } إلى الخير { السابقون } إلى الجنة ، والتقدير الأول محكي عن صاحب المرشد .

وأنت تعلم أن الحمل مفيد بدون ذلك كما سمعت بل هو أبلغ وأنسب بالمقام وأياً ما كان فقوله تعالى : { أُوْلَئِكَ المقربون } ، مبتدأ وخبر والجملة استئناف بياني ، وقيل : { السابقون } [ الواقعة : 10 ] السابق مبتدأ { والسابقون } اللاحق تأكيد له وما بعد خبر وليس بذاك أيضاً لفوات مقابلة ما ذكر لقوله تعالى : { فأصحاب } [ الواقعة : 8 ] الخ ولأن القسمة لا تكون مستوفاة حينئذ ، ولفوات المبالغة المفهومة من نحو هذا التركيب على ما سمعت مع أنهم أعني السابقين أحق بالمدح والتعجيب من حالهم من السابقين ولفوات ما في الاستئناف بأولئك المقربون من الفخامة وإنما لم يقل والسابقون ما السابقون على منوال الأولين لأنه جعل أمراً مفروغاً مسلماً مستقلاً في المدح والتعجيب ، والإشارة بأولئك إلى السابقين وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان ببعد منزلتهم في الفضل ، و { المقربون } من القربة بمعنى الحضوة أي أولئك الموصوفون بذلك النعت الجليل الذين أنيلوا حظوة ومكانة عند الله تعالى ، وقال غير واحد : المراد الذين قربت إلى العرش العظيم درجاتهم .

هذا وفي الإرشاد الذي تقتضيه جزالة التنزيل أن قوله تعالى : { فأصحاب الميمنة } [ الواقعة : 8 ] خبر مبتدأ محذوف وكذا قوله سبحانه : { وأصحاب المشئمة } وقوله جل شأنه : { والسابقون } فإن المترقب عند بيان انقسام الناس إلى الأقسام الثلاثة بيان أنفس الأقسام .

وأما أوصافها وأحوالها فحقها أن تبين بعد ذلك بإسنادها إليها ، والتقدير فأحدها أصحاب الميمنة والآخر أصحاب المشأمة ، والثالث السابقون خلا أنه لما أخر بيان أحوال القسمين الأولين عقب كلاً منهما بجملة معترضة بين القسمين منبئة عنت ترامي أحوالهما في الخير والشر إنباءاً إجمالياً مشعراً بأن لأحوال كل منهما تفصيلاً مترقباً لكن لا على أن { مَا } الاستفهامية مبتدأ وما بعدها خبر على مارآه سيبويه في أمثال بل على أنها خبر لما بعدها فإن مناط الإفادة بيان أن أصحاب الميمنة أمر بديع كما يفيده كون { مَا } خبراً لا بيان أن أمراً بديعاً أصحاب الميمنة كما يفيده كونها مبتدأ وكذا الحال في { مَا أصحاب المشئمة } [ الواقعة : 9 ] وأما القسم الأخير فحيث قرن به بيان محاسن أحواله لم يحتج فيه إلى تقديم الأنموذج فقوله تعالى : { السابقون } مبتدأ والإظهار في مقام الإضمار للتفخيم و { أولئك } مبتدأ ثان ، أو بدل من الأول وما بعده خبر له ، أو للثاني ، والجملة خبر للأول انتهى ، وقيل عليه : أنه ليس في جعل جملتي الاستفهام وقوله سبحانه : { السابقون } إخباراً لما قبلها بيان لأوصاف الأقسام وأحوالها تفصيلاً حتى يقال : حقها أن تبين بعد أنفس الأقسام بل فيه بيان الأقسام مع إشارة إلى ترامي أحوالها في الخير والشر والتعجيب من ذلك .

وأيضاً مقتضى ما ذكره أن لا يذكر { مَا أصحاب اليمين } و { مَا أصحاب الشمال } [ الواقعة : 14 ] في التفصيل ، وتعقب هذا بأن الذكر محتاج إلى بيان نكتة على الوجه الدائر على ألسنتهم كاحتياجه إليه على هذا الوجه ، ولعلها عليه أنه لما عقب الأولين بما يشعر بأن لأحوال كل تفاصيل مترقبة أعيد ذلك للإعلام بأن الأحوال العجيبة هي هذه فلتسمع ، والذي يتبادر للنظر الجليل ما في الإرشاد من كون أصحاب الميمنة وكذا كل من الأخيرين خبر مبتدأ محذوف كما سمعت لأن المتبادر بعد بيان الانقسام ذكر نفس الأقسام على أن تكون هي المقصودة أولاً وبالذات دون الحكم عليها وبيان أحوالها مطلقاً وإن تضمن ذلك ذكرها لكن ما ذكروه أبعد مغزى ومع هذا لا يتعين على ما ذكر كون تينك الجملتين الاستفهاميتين معترضتين بل يجوز أن يكون كل منهما صفة لما قبلها بتقدير القول كأنه قيل : فأحدها أصحاب الميمنة المقول فيهم { مَا أصحاب الميمنة } وكذا يقال في { وأصحاب المشئمة } الخ ، ويجعل أيضاً { السابقون } صفة للسابقون قبله ، والتأويل في الوصفية كالتأويل في الخبرية ويكون الوصف بذلك قائماً مقام تينك الجملتين في المدح ، والجملة بعد مستأنفة استئنافاً بيانياً كما في الوجه الشائع ، وما يقال : إن في هذا الوجه حذف الموصول مع بعض أجزاء الصلة يجاب عنه بمنع كون أل في الوصف حيث لم يرد منه الحدوث موصولة فتأمل ولا تغفل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} (10)

{ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } أي : السابقون في الدنيا إلى الخيرات ، هم السابقون في الآخرة لدخول الجنات .

 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} (10)

{ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ( 10 ) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ( 11 ) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ( 12 ) }

والسابقون إلى الخيرات في الدنيا هم السابقون إلى الدرجات في الآخرة ،

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} (10)

قوله : { والسابقون السابقون } السابقون ، مبتدأ . والسابقون بعد خبره . وقيل : السابقون ، الثاني تأكيد للأول . والخبر ، الجملة بعده . أما السابقون فهم الذين يبادرون إلى فعل الخيرات والطاعات ويعلمون الصالحات من أمر بمعروف ، ونهي عن منكر ، وجهاد في سبيل الله ، وغير ذلك من وجوه العبادات والقربات . أولئك السابقون إلى السعادة والنجاة والفوز بجنة الله ورضوانه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} (10)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"والسّابِقُونَ السّابِقُونَ "وهم الزوج الثالث، وهم الذين سبقوا إلى الإيمان بالله ورسوله، وهم المهاجرون الأوّلون... عن قتادة، قوله: "فَأصْحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ": أي ماذا لهم، وماذا أعدّ لهم "وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ": أي ماذا لهم وماذا أعدّ لهم. "والسّابِقُونَ السّابِقُونَ": أي من كلّ أمة.

[عن] ابن زيد يقول: وجدت الهوى ثلاثة أثلاث، فالمرء يجعل هواه علمه، فيديل هواه على علمه، ويقهر هواه علمه، حتى إن العلم مع الهوى قبيح ذليل، والعلم ذليل، الهوى غالب قاهر، فالذي قد جعل الهوى والعلم في قلبه، فهذا من أزواج النار، وإذا كان ممن يريد الله به خيرا استفاق واستنبه، فإذا هو عون للعلم على الهوى حتى يديل الله العلم على الهوى، فإذا حسُنت حال المؤمن، واستقامت طريقته كان الهوى ذليلاً، وكان العلم غالبا قاهرا، فإذا كان ممن يريد الله به خيرا، ختم عمله بإدالة العلم، فتوفاه حين توفاه، وعلمه هو القاهر، وهو العامل به، وهواه الذليل القبيح، ليس له في ذلك نصيب ولا فعل. والثالث: الذي قبح الله هواه بعلمه، فلا يطمع هواه أن يغلب العلم، ولا أن يكون معه نصف ولا نصيب، فهذا الثالث، وهو خيرهم كلهم، وهو الذي قال الله عزّ وجلّ في سورة الواقعة: وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً قال: فزوجان في الجنة، وزوج في النار، قال: والسابق الذي يكون العلم غالبا للهوى، والاَخر: الذي ختم الله بإدالة العلم على الهوى، فهذان زوجان في الجنة، والاَخر: هواه قاهر لعلمه، فهذا زوج النار.

واختلف أهل العربية في الرافع أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة، فقال بعض نحويي البصرة: خبر قوله: "فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَة وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ" قال: ويقول زيد: ما زيد، يريد: زيد شديد. وقال غيره: قوله: "ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ" لا تكون الجملة خبره، ولكن الثاني عائد على الأوّل، وهو تعجب، فكأنه قال: أصحاب الميمنة ما هم، والقارعة ما هي؟ والحاقة ما هي؟ فكان الثاني عائد على الأوّل، وكان تعجبا، والتعجب بمعنى الخبر، ولو كان استفهاما لم يجز أن يكون خبرا للابتداء، لأن الاستفهام لا يكون خبرا، والخبر لا يكون استفهاما، والتعجب يكون خبرا، فكان خبرا للابتداء. وقوله: زيد وما زيد، لا يكون إلا من كلامين، لأنه لا تدخل الواو في خبر الابتداء، كأنه قال: هذا زيد وما هو: أي ما أشدّه وما أعلمه.

واختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله: "والسّابِقُونَ السّابِقُونَ"؛

فقال بعضهم: هم الذين صلوا للقبلتين...

وقال آخرون:... [عن] عثمان بن أبي سودة، قال: "السّابِقُونَ السّابِقُونَ" أوّلهم رواحا إلى المساجد، وأسرعهم خفوقا في سبيل الله...

يقول جلّ ثناؤه: أولئك الذين يقرّبهم الله منه يوم القيامة إذا أدخلهم الجنة.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}...هم الذين صلوا القبلتين دليله قوله {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} [التوبة: 100]...

هم أهل القرآن وهم المتوجون يوم القيامة... وقال ابن عباس: السابقون إلى الهجرة هم السابقون في الآخرة...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

والسابقون إلى الخير إنما كانوا أفضل لانهم يقتدى بهم في الخير ويسبقوا إلى أعلى المراتب قبل من يجيئ بعدهم، فلهذا تميزوا من التابعين بما لا يلحقونهم به ولو اجتهدوا كل الاجتهاد.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ}: وهم الصنف الثالث. وهم السابقون إلى الخصال الحميدة، والأفضال الجميلة.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

والسابقون السابقون، يريد: والسابقون من عرفت حالهم وبلغك وصفهم، ووقف بعضهم على: والسابقون؛ وابتدأ السابقون أولئك المقرّبون، والصواب أن يوقف على الثاني، لأنه تمام الجملة، وهو في مقابلة: ما أصحاب الميمنة، وما أصحاب المشأمة.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{والسابقون} ابتداء و: {السابقون} الثاني. قال بعض النحويين: هو نعت للأول، ومذهب سيبويه أنه خبر الابتداء، وهذا كما تقول العرب: الناس الناس، وأنت أنت، وهذا على معنى تفخيم أمر وتعظيمه، ومعنى الصفة هو أن تقول: {والسابقون} إلى الإيمان {السابقون} إلى الجنة والرحمة {أولئك}، ويتجه هذا المعنى على الابتداء والخبر...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{والسابقون السابقون، أولئك المقربون}... {السابقون السابقون} أي لا يمكن الإخبار عنهم إلا بنفسهم فإن حالهم وما هم عليه فوق أن يحيط به علم البشر، وهاهنا لطيفة، وهي أنه في أصحاب الميمنة قال: {ما أصحاب الميمنة} بالاستفهام وإن كان للإعجاز لكن جعلهم مورد الاستفهام وهاهنا لم يقل: والسابقون ما السابقون، لأن الاستفهام الذي للإعجاز يورد على مدعي العلم فيقال له: إن كنت تعلم فبين الكلام، وأما إذا كان يعترف بالجهل فلا يقال له: كذبت ولا يقال: كيف كذا؟ وما الجواب عن ذلك؟ فكذلك في: {والسابقون} ما جعلهم بحيث يدعون، فيورد عليهم الاستفهام فيبين عجزهم، بل بنى الأمر على أنهم معترفون في الابتداء بالعجز، وعلى هذا فقوله تعالى: {والسابقون السابقون} كقول العالم: لمن سأل عن مسألة معضلة وهو يعلم أنه لا يفهمها وإن كان أبانها غاية الإبانة أن الأمر فيها على ما هو عليه ولا يشتغل بالبيان.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

...ذكر أصحاب الميمنة متعجباً منهم في سعادتهم، وأصحاب المشأمة متعجباً منهم في شقاوتهم، فناسب أن يذكر السابقون مثبتاً حالهم معظماً، وذلك بالإخبار أنهم نهاية في العظمة والسعادة، والسابقون عموم في السبق إلى أعمال الطاعات، وإلى ترك المعاصي.

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

والمَعْنى والسابقونَ هم الذينَ اشتهرتْ أحوالُهم وعرفتْ محاسنُهم.

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :

ووجه تأخير هذا الصنف الثالث مع كونه أشرف من الصنفين الأوّلين هو أن يقترن به ما بعده، وهو قوله: {أُوْلَئِكَ المقربون * فِي جنات النعيم}.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يذكر الفريق الثالث، فريق السابقين، يذكرهم فيصفهم بوصفهم: (والسابقون السابقون).. كأنما ليقول إنهم هم هم. وكفى. فهو مقام لا يزيده الوصف شيئا!...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وحقيقة السبق: وصول أحد مكاناً قبل وصول أحد آخر. وهو هنا مستعمل على سبيل الاستعارة.والمعنى: أن حالهم بلغت منتهى الفضل والرفعة بحيث لا يجد المتكلم خبراً يُخبر به عنهم أدلّ على مرتبتهم مِن اسم {السابقون} فهذا الخبر أبلغ في الدلالة على شرف قدرهم من الإِخبار ب {ما} الاستفهامية التعجيبية في قوله: {ماأصحاب الميمنة}،

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

والصنف الأخير هم {والسابقون السابقون} كررها للتعظيم، وهؤلاء وإن أتوا في الذكر مؤخرا إلا أنهم في الترتيب أولا، وهم أعلى الدرجات بدليل أنه سبحانه أخبر عنهم بقوله: {أولئك المقربون} أي: مقربون من العرش، فإن أردت الترتيب من أعلى فالسابقون ثم أصحاب الميمنة ثم أصحاب المشأمة.

إذن: هذه مراتب ثلاث احتلها أصحابها في الآخرة بحسب أعمالهم في الدنيا: فالسابق إنسان بارك حياته بعمل الخير منذ صغره، ثم ظل على هذا حتى قضى فسبق إلى الجنة، وصاحب اليمين أو الميمنة إنسان باكر حياته منذ صغره يعمل الشر، لكن تداركته نفسه اللوامة فتاب وأناب وظل على عمل الخير حتى قبض، وصاحب المشأمة هو الرجل الذي باكر حياته بعمل الشر، وظل على ذلك حتى قبض.

والجنة هي عطاء الله، وفيها يجتمع أصحاب الميمنة والسابقون، إلا أن السابقين يكونون في منزلة أعلى وأقرب من العرش {أولئك المقربون} أين؟ في جنات النعيم، ونفهم هذا من قوله تعالى في سورة الزمر:

{وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين (73)} [الزمر]..ثم قال بعدها: {وترى الملائكة حافين من حول العرش... (75)} [الزمر]

إذن: القرب هنا يعني القرب من العرش.

والسابق هنا هو الذي ينافس غيره ليسبقه، والمسابقة هنا في الخير وهو أمر مطلوب شرعا. لذلك أمرنا الحق سبحانه بأن نسارع وأن نسابق: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض.. (123)} [ال عمران] وقال: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم.. (31)} [الحديد]

والسباق هو سباق إيمان وعمل صالح، سباق من يريد أن يسبق، وفي نفس الوقت يحب لأخيه ما يحب لنفسه، سباق ليس فيه حقد ولا أنانية.

المؤمن يسابق غيره، والمسألة واضحة في ذهنه، فالجوائز تنتظر من يسبق، والعطاء عطاء لا ينفد، والعجيب أن المؤمن يسرع فيعمل الخير في حياته، وقد يسرع حتى في موته شوقا إلى الجنة التي رأى علاماتها وهو في سكرات الموت.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

(والسابقون السابقون اُولئك المقرّبون). (السابقون) ليسوا الذين سبقوا غيرهم بالإيمان فحسب، بل في أعمال الخير والأخلاق والإخلاص، فهم أسوة وقدوة وقادة للناس، ولهذا السبب فهم من المقرّبين إلى الحضرة الإلهيّة. وبناءً على هذا، فما نرى من تفسير أسبقية السابقين بالسبق في طاعة الله، أو أداء الصلوات الخمس، أو الجهاد والهجرة والتوبة فإنّ كلّ واحد من هذه التفاسير تمثّل جانباً من هذا المفهوم الواسع، وإلاّ فإنّ هذه الكلمة (السابقون) تشمل جميع هذه الأعمال، والطاعات وغيرها...