السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} (10)

ولما ذكر تعالى القسمين وكان كل منهما قسمين ذكر أعلى أهل القسم الأوّل ترغيباً في حسن حالهم ولم يقسم أهل المشأمة ترهيباً في سوء حالهم فقال تعالى : { والسابقون } أي : إلى أعمال الطاعة مبتدأ وقوله تعالى : { السابقون } تأكيد عن المهدوي أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «السابقون الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ، وإذا سُئِلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم » . وقال محمد بن كعب القرظي : هم الأنبياء عليهم السلام ، وقال الحسن وقتادة : السابقون إلى الإيمان من كل أمّة ؛ وقال محمد بن سيرين : هم الذين صلوا إلى القبلتين قال تعالى : { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار } [ التوبة : 100 ] وقال مجاهد والضحاك : هم السابقون إلى الجهاد وأوّل الناس رواحاً إلى الصلاة ؛ وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : هم السابقون إلى الصلوات الخمس ؛ وقال سعيد بن جبير : إلى التوبة وأعمال البرّ ، قال تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم } [ آل عمران : 133 ] ثم أثنى عليهم فقال تعالى : { أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون } [ المؤمنون : 61 ] وقال ابن عباس رضي الله عنهما : هم أربعة : منهم سابق أمّة موسى عليه السلام وهو حز قيل مؤمن آل فرعون ، وسابق أمّة عيسى عليه السلام وهو حبيب النجار صاحب أنطاكية ، وسابقا أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهما : أبو بكر وعمر رضي الله عنهما . وقال سميط بن عجلان : الناس ثلاثة : رجل ابتكر الخير في حداثة سنه ثم داوم عليه حتى خرج من الدنيا فهذا هو السابق المقرب ، ورجل ابتكر عمره بالذنوب ثم طول الغفلة ثم رجع بتوبته حتى ختم له بها فهذا من أصحاب اليمين ، ورجل ابتكر عمره بالذنوب ثم لم يزل عليها حتى ختم له بها فهذا من أصحاب الشمال . وروي عن كعب قال : هم أهل القرآن المتوجون يوم القيامة ، وقيل : هم أوّل الناس رواحاً إلى المسجد وأولهم خروجاً في سبيل الله .