فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلسَّـٰبِقُونَ ٱلسَّـٰبِقُونَ} (10)

{ والسابقون } مبتدأ وخبره قوله : { السابقون } والتكرير فيه للتفخيم والتعظيم كما مر في القسمين الأولين ، كما نقول : أنت أنت وزيد زيد ، وفيه تأويلان .

أحدهما بمعنى السابقون ، هم الذين اشتهرت حالهم بذلك ، وعرفت محاسنهم .

والثاني أن متعلق السبقين مختلف ، والتقدير : السابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنة ، والأول أولى ، لما فيه من الدلالة على التفخيم والتعظيم ، وقال الحسن وقتادة : هم السابقون إلى الإيمان من كل أمة عند ظهور الحق من غير تلعثم وتوان ، وقال محمد بن كعب : أنهم الأنبياء وقال ابن سيرين : هم الذين صلوا إلى القبلتين ، وقيل : هم الذين سبقوا في حيازة الفضائل والكمالات ، وقيل : هم السابقون إلى الصلوات الخمس ، وقيل : المسارعون في الخيرات ، وقال مجاهد : هم الذين سبقوا إلى الجهاد وبه قال الضحاك .

وقال سعيد بن جبير : هم السابقون إلى التوبة وأعمال البر ، وقال الزجاج : المعنى والسابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله ، قال ابن عباس : السابقون يوشع بن نون سبق إلى موسى ، ومؤمن آل ياسين سبق إلى عيسى ، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه سبق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعنه قال : نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون ، وحبيب النجار الذي ذكر في يس ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكل رجل منهم سابق أمة ، وعلي أفضلهم سبقا .

" وعن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : أتدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : الذين إذا أعطوا الحق قبلوه ، وإذا سئلوا بذلوا ، وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم " {[1561]} أخرجه أحمد قيل ووجه تأخير هذا الصنف الثالث ، مع كونه أشرف من الصنفين الأولين ، وأسبق الأقسام وأقدمهم في الفضل ، هو أن يقترن به ما بعده وهو قوله : { أولئك المقربون في جنات النعيم } فالإشارة هي إليهم ، أي : المقربون إلى جزيل ثواب الله ، وعظيم كرامته ، أو الذين قربت إلى العرش العظيم درجاتهم ، وأعليت مراتبهم ، ورقت إلى حظائر القدس نفوسهم الزكية .


[1561]:رواه أحمد.